عبد الله العليان
يُمثل الحوار بين جيلين مطلباً مهمًا، مع التغيرات الاجتماعية، والاقتصادية والإعلامية والنفسية، فلكل جيل من الأجيال في كل عصر من العصور، له سماته الفكرية العقلية وتطلعاته المستقبلية، فيما يعيشه ويتعاطاه واقعياً، ورؤاه تجاه التحولات والمشكلات الظاهرة أو الخافتة في وقتنا الراهن.
لذلك من المُهم الاقتراب من الجيل الجديد، لفهم ما يدور في عقله ومعرفة كيف يُفكر؟ وما هي تطلعاته؟ ولماذا نظرته للمُستقبل قلقة وسلبية؟ ولذلك أرى الحاجة الملحة للاقتراب أكثر من الجيل السابق للجيل الحالي، خاصة وأنَّ الرؤى الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، حصلت بها تحولات كبيرة وسريعة، وما يزال التسارع قائماً ومُستمراً في هذا العصر، وهذه بلا شك حاضرة في عقلية هذا الجيل، في ظل الانفتاح الإعلامي الهائل، ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت قوة فكرية وثقافية وإعلامية هائلة خاصة مع هذا الجيل، ولهذا فإنَّ التحاور مع جيل الشباب أصبح مطلباً لا غنى عنه، لكي يتم النقاش من خلال ندوات، أو مُلتقيات، لتتقارب الأفهام، والاستماع، لما يدور في خلد هذا الجيل، من تساؤلات وعلامات استفهام حول ما يدور في خضم هذه الحياة، وتشابك الكثير من الإشكالات التي تعيشها منطقتنا والعالم، وبكيفية واضحة حتى يتم التعرف على مرئياته كفرد وكمجموع، وهم جيل الحاضر وعدة المُستقبل.
هذه من المسائل التي من المهم أن تأخذ الأولوية من الاهتمام من أصحاب القرار، ولا تكفي المعرفة والمعلومة من خلال الوسائط، مع هذا الجيل، ولأنَّ هذه الوسائط أصبحت حرة في التداول، ومنها الإيجابي ومنها أيضاً السلبي، ولم تعد مقتصرة على المؤسسات الإعلامية، بل إنَّ هذا الجيل هو بنفسه يقبض على بعض هذه الوسائط، ويُديرها هو بنفسه باقتدار وسيطرة،لأنها وسائل تفاعل معها، مع بداية ظهورها قبل عقد ونصف العقد تقريباً، ولكن الأمر الأهم هو: كيف نتقرب من هذا الجيل ونفهم ما يدور في عقله وذهنه من رؤى تحتاج إلى حوار واستطلاع فيما يُفكر فيه؟
ولا شك أنَّ في عصرنا الراهن، مع التغيرات التي حدثت وتحدث الآن في قضايا ومشكلات عديدة، ومع الرؤى المتاحة في الوسائط الإعلامية، فهناك الكثير من الأفكار التي يطرحها الشباب في هذه الوسائط، منها: قلة أو غياب فرص العمل التي يسعى لها، مع زيادة المخرجات في كل التخصصات والتي تتراكم كل عام، أيضاً الحديث عن الفساد الذي يظهر بين الفترة والأخرى في بعض الهيئات والمؤسسات، أيضاً ما يُقال عن تفاوت الفرص بين الشباب في التوظيف، وهي بلا شك ليست توجهاً أو حالة ثابتة، والحديث عن مصادرة بعض المؤلفات، في معرض الكتاب، ومنعها من البيع في المكتبات، وهذه الرؤى التي يناقشها الشباب وتطرح بتزايد بين الفترة والأخرى، ومسألة الربط بين قضية الفساد الذي يحدث، في تفرعاته وتشعباته المختلفة، وبين غياب فرص العمل، بمعنى أنَّه يرى لولا جرائم الفساد، لسارت الأمور، بصورة سليمة وتلقائية في فرص التوظيف، صحيح أنَّ الفساد رأس البلاوي في كل دول العالم! وترك بعض الدول في قائمة الدول الفاشلة، ولذلك فإنَّ التوجه لمحاربته يجب أن يكون من الأولويات والبرامج.
قد يقول البعض إنَّ الشباب بطبيعته، دائماً يكون ثائراً على كل شيء؟ ومن أي شيء؟ من خلال رؤى سلبية يختزلها في توقعات حدية، لا تتغير في نظره، ومع أن هذا التوقع ليس دقيقاً في كل الظروف. لكنني أرى أن هذا النقد تعوزه الدقة في جوانب ومُلاحظات عديدة، صحيح أن هذا الجيل بطبيعة تكوينه وسنه، يميل إلى عدم التصديق في بعض ما يُقال، لكن أحياناً يرى أن بعض التصريحات من بعض المسؤولين، تعطي وبيانات ومؤشرات عن أشياء سوف تتحقق، لكن لا يتم تنفيذها، مما يترك انطباعا سلبياً لدى هذا الجيل في عدم المصداقية، في بعض ما ينشر، وهذه تحتاج إلى تفسير في نظرة الشباب، وهو الانقطاع بين الأقوال والأفعال، وقد حصلت تجارب في بيانات وتصريحات في بعض السنوات التي مضت وهذه حقيقة، وعلى النخب المثقفة والمسؤولة، أن تدرك أنَّ هذا الجيل أتيح له من الفرص في المعرفة والاطلاع فيما هو متاح ومتزايد من حيث التطور العلمي، أكثر من جيلنا نحن الذين حُرمنا في سنواتنا اليافعة ولم نعشها، سواء من المعرفة أو التكنولوجية والإعلامية، كما هو متاح الآن، من وسائل الاطلاع الواسعة، ولذلك فإنَّ هذا الجيل مطّلع ويعرف الكثير مما يدور في عالم اليوم، حتى لا نقلل من معرفة هذا الجيل وسعة اطلاعه ومعرفته.
كما إنَّ الأزمات الاقتصادية، وزيادة الأسعار، مع عدم وجود فرص للعمل، لها آثارها النفسية والاجتماعية، والصحية للأجيال الجديدة، وهذه أزمات مرَّت بها دول كثيرة، ومن هنا فالحوار مع هذا الجيل، اعتبره ضرورة وطنية، لأن العالم المفتوح له مخاطره، وتحدياته، بما يعرضه من آراء وأفكار قد لا نتفق معها، وقد تُؤثر في الجيل الجديد، بما تملكه من طرق للتأثير، وهو في هذا السن، وقد أكد جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم- وفقه الله تعالى- في خطابه في 23 فبراير الماضي،على اهتمامه بالشباب وقال بالنص: "وسوف نحرص على الاستماع لهم وتلمُّس احتياجاتهم واهتماماتهم وتطلعاتهم، ولا شك أنَّها ستجد العناية التي تستحقها". وهذا اللفتة من جلالته سيكون لها أثرها الإيجابي في حوار الأجيال القادم بإذن الله.