ترجمة - رنا عبدالحكيم
أبرزتْ صحيفة "ذا جارديان" البريطانية التباينَ الصَّارخ في مواقف الاتحاد الأوروبي إزاء كلٍّ من تركيا وبيلاورسيا، وقالت إنَّ الاتحاد يناقض نفسه بشدة، عندما ينتقد علنًا وبقسوة ألكسندر لوكاشينكو رئيس بيلاروسيا، لكنه يُحجِم عن التنديد علناً بالمكائد العدوانية الأخيرة التي ينفذها "ديكتاتور" آخر في شرق البحر الأبيض المتوسط، وهو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي لا يزال قابعا على سدة الحكم منذ سنوات طويلة.
وبحسب مقال للكاتب سيمون تيسدال في الصحيفة، فإنَّ تركيا عضو في حلف الناتو، وشريك تجاري رئيسي للاتحاد الأوروبي، وحارس لحدود أوروبا، وفاعل مؤثر في سوريا والشرق الأدنى. على عكس بيلاروسيا التي تتمتَّع بأهمية إستراتيجية حقيقية لأوروبا، معتبرا أنَّ ذلك ربما يفسر الصمت المحرج للعديد من الحكومات، بما في ذلك حكومة المملكة المتحدة، لكنه لا يعفيها.
وعلى الرَّغم من ذلك، ثمة تشابه واضح في سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه بيلاروسيا؛ بينما لا توجد مؤشرات تذكر على اتخاذ إجراءات أوروبية مشتركة لكبح تجاوزات أردوغان. ويرى كاتب المقال أن "ديكتاتورية" أردوغان تتجلى في العديد من المواقف والسياسات؛ مثل: قانون استخدام وسائل التواصل الاجتماعي القمعي الذي فرضه أردوغان، والذي يكرر فيه مُضايقاته العنيفة لوسائل الإعلام التقليدية المستقلة. وقال توم بورتيوس من هيومن رايتس ووتش إنَّ القانون سيزيد بشكل كبير من الرقابة على الإنترنت، مضيفا أنه "يتم بناء نظام استبدادي من خلال إسكات جميع الأصوات الناقدة".
وفي مقاربته لتركيا، كما في نواحٍ أخرى، يعتبر إيمانويل ماكرون استثناءً من القاعدة الأوروبية. فقد عبر الرئيس الفرنسي في يونيو الماضي عن غضبه عندما ذهبت سفن حربية تركية كانت ترافق سفينة يشتبه بتهريبها أسلحة إلى ليبيا إلى مراكز القتال هناك، لكن اعترضتها فرقاطة فرنسية، مما أجبر الأخيرة على الانسحاب. ويرى الكاتب أن هذا السلوك لا يجب أن يصدر من حليف مفترض مثل تركيا (فرنسا وتركيا عضوين في حلف الناتو). وزاد غضب ماكرون من توسع تركيا في عمليات التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية اليونانية، وأرسل ماكرون تعزيزات بحرية إلى شرق البحر المتوسط الأسبوع الماضي وطلب من أردوغان التراجع عن خطواته.
وأثارت الأزمة المتصاعدة، التي تمس أيضًا قبرص وإسرائيل ومصر، موجة متأخرة من النشاط الدبلوماسي الأسبوع الماضي؛ حيث اجتمع مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي في جلسة استثنائية، واتصلت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بأردوغان كما فعلت في الأزمات السابقة، في محاولة للتحدث معه، وعبرت عن الاستياء الشديد، فيما ناشدت أثينا الولايات المتحدة التدخل.
والتوترات بين اليونان وتركيا ليست جديدة، لكن هذا التكثيف الاستفزازي المفاجئ لنزاع طويل الأمد ينم عن إجراءات متعمدة. وينقل كاتب المقال رأي أحد المعلقين المرموقين في السياسة الخارجية الأوروبية، يافوز بايدر، الذي يرى أن أردوغان غير الآمن، والذي يعاني من أزمات اقتصادية ووبائية وأزمات العملة، يريد "تعزيز سمعته كقائد قوي يحافظ على شرف تركيا ومكانتها التي تستحقها في العالم".
ويأمل أردوغان تأمين موقف تركيا في بحر إيجة وشرق البحر المتوسط وسوريا وليبيا ضد تغيير الإدارة في واشنطن؛ فالرجل القوي دونالد ترامب يحسد أردوغان على ديكتاتوريته، كما أطلق ترامب لأردوغان الضوء الأخضر في الكثير من الخطوات، لكن يمكن لجو بايدن كبح جماحه فور فوزه بالرئاسة.
وتفاقمتْ أزمة أردوغان مع أوروبا منذ أن نجا من مؤامرة انقلابية في العام 2016، فيما مارس القمع العشوائي وزج بعشرات الألوف من المعارضين الحقيقيين والمتخيلين في السجون، ويسعى لخوض مغامرات مزعزعة للاستقرار وإحياء الإرث العثماني خارج البلاد.
وبدافع من القومية التي يغذيها الإيمان، ضاعف أردوغان دوره المتنمر، فقد شنت تركيا هجوما بطائرة بدون طيار على الأراضي العراقية، ما دفع بغداد إلى الرد بغضب شديد.
وبتوجيهٍ من أردوغان، انغمستْ تركيا في الحرب بالوكالة في ليبيا؛ حيث انحازت إلى الإسلاميين ضد مصر والإمارات والسعودية. ويؤكد كاتب المقال أن الأمر هنا يتعلق جزئيًّا بالتنافس مع هذه الدول الإقليمية المنافسة لزعامته المأمولة، كما يتعلق بالنفط، لكن بالتأكيد لا يتعلق برفاهية الشعب الليبي.
وعندما فتح حدود بلاده مع الاتحاد الأوروبي أمام النازحين السوريين في فبراير الماضي، ذكّر أردوغان أوروبا بأنه مستعد لاستخدام اللاجئين كسلاح سياسي. لكن يجب أن يدرك القادة الأوروبيون أن "المعضلة الأردوغانية" لا يمكن تجاهلها أو تفاديها أو التقليل من شأنها إلى أجل غير مسمى، على أمل أن يرحل عن الحكم في نهاية المطاف؛ إذ إنَّ تحول تركيا إلى دولة مارقة، احتمال وارد للغاية وخطير جدا، لكن لا يبدو أن أحدا يملك خطة لاحتواء أردوغان.