على بن سالم كفيتان
يتبين للمُتابع الحذق لأحوال المنطقة سياسياً أنَّ الولايات المُتحدة الأمريكية ضاقت ذرعاً بكفالة طفل لا يكبر أبداً استلمته من عجوز حملت به في آخر عمرها وما كادت تضعه إلا وهي تنازع الموت فصكت له تاريخ ميلاد ووعدته بوطن بعيداً عن مسقط رأسه.
كبر وترعرع هذا المولود في كنف العجوز وتوغل في الأنحاء القريبة من جدته الحنونة فطال أمورًا لم يكن عليه الذهاب إليها، فنكَّل به جنود الرايخ الثالث فاستعادت الجدة بقاياه مجدداً، وبحثت له عن وطن بديل فدفعته إلى أرض كنعان، ومنذ ذلك الحين وهو ذات الطفل المُدلل الذي ترعاه الولايات المتحدة الأمريكية وتضع أساطيلها وقواعدها وجنودها بل واقتصادها رهيناً لبقاء ذلك الكيان المزروع في المكان الخطأ.
حاول قرابة القرن مسح هوية شعب فلسطين إلا أنه فشل في ذلك فكم خاض من حروب ووقع من اتفاقيات إلا أنه لم يجنِ شيئاً من كل ذلك؛ فأرض الديانات المُقدسة ترفض انبعاثه، ولا تقبل بخطاه عليها، ومهما أقنع نفسه أنَّه يعيش عليها يكتشف كل يوم أنه خائف منها.. نعم يخاف من الأرض والشجر والحجر قبل الإنسان لذلك ظل يُطارد سراب السلام المفقود فتارة يأتيه من مصر وتارة أخرى من الأردن بينما ظلت بقية الجبهات مفتوحة رغم إغلاقها.
رغم ضراوة أجناد مصر وبسالة ثوار الشام يظل عرب الجزيرة هم حملة الرسالة وخزين النضال الذي لا ينضب؛ فجاهدوا بأموالهم وأنفسهم لتحرير فلسطين في عهد الفاروق عمر، وجاء عهدٌ بعده فحررها صلاح الدين الأيوبي، واليوم جاء الدور على عرب الجزيرة لكفالة هذا اليتيم العاق؛ فهل سيجد قلباً حانياً كحنو العجوز البريطانية عليه؟ أو حماية كقوة وجبروت الوحش الأمريكي المُتغطرس؟
لن نستبق الأحداث، لكننا على موعد مع فطام متأخر بإذن الله؛ فصحراء العرب بها خيمة ونار وجمل وفارس وجميعها لا تصلح لابن العم الذي تعود على "الهمبرجر" وارتياد الحانات والمراقص الليلية، في اعتقادي أنكم تتسابقون للنهاية كعادة الفراشة التي تلقي بنفسها إلى اللهب، فأدبياتكم التي هجرتموها تقول ألا دولة لكم، وعندما تسعون إليها تكون نهايتكم، ليتكم يا أبناء العم ترجعون إلى كُتبكم المُقدسة وأحباركم لكي لا تعجلوا بفطامكم.
اليوم.. يتسابق بعض العرب لكفالة هذا الكيان الغاصب لأرض فلسطين بعد أن ضاقت به كل الأمم ولم تعد ترغب منحه ثروات شعوبها ودفعته إلينا، فناقتنا حلوب مرَّ عليها كل أباطرة الدنيا يحلبونها منذ قرابة نصف قرن وهي لا تحرك ساكناً، وكعادتنا نكرم الضيف، وهذا ما رسخ مبدأ كفالة ابن عمنا المشرد الخائف في أرض كنعان... لقد أتيت متأخرًا يا ابن العم فناقتنا جفَّ ضرعها وبتنا نتساهم على رشفات الحليب مع الماء، وعليك أن تبحث لنفسك عن حليف غيرنا؛ فالصحراء قاسية، ونحن لا زلنا كذلك، فلا يغرنك فضفاض لباسنا ونعومة أطرافنا، فما أسرع تغير جلدنا، وأظنك تعلم جيدًا يا ابن العم من نحن؟!! فنحن لسنا الحكام أو الحكومات التي أتعبت نفسك في التوسل إليها لتمنحك خط عبور إلى أوطاننا، نحن شيء آخر؛ لا يكذبون عليك! فلا أحد يطيقك هنا!
لن نقول سقطت ورقة التوت، ولن ندعو شعب كنعان للتوحد مجدداً، بل سنُرحب بضيفنا الجديد على طريقتنا التي يعلمها القاصي والداني؛ سنُكرمه حتى يرضى من رمال الصحراء وهجيرها، ولن نذبح له ناقتنا التي جفَّ ضرعها من حلب سيده، سيكون عليه أن يشرب من مياه الخليج حتى يروى، ويأكل تمرات يعلوها العفن ويأخذ قهوته المُرَّة مع أحفاد الصحابة المرابطين على خيولهم منذ 1442 سنة، فأهلا يا ابن العم إبراهيم إلى مفازات صحرائنا، نعلمك بأننا لا نجيد مهارات إخواننا الذين مررت عليهم وعقدت معهم اتفاقياتك السابقة، فمنحوك الحماية والرعاية، فعرب الصحراء ليس من شيمهم الغدر أو الخيانة، ولم يبيعوا شبرا من أرضهم من قبل، وأنت اليوم تلامس هذا السقف عندهم، فإن ضعف بعضهم فما زال جلهم ينتظرون موعد ملاقاتك، ولا هدف لهم إلا إعادتك إلى حضن العجوز.
نقطة على السطر
بعض الحكومات تواجه ضغوطًا من أجل التطبيع، وتعلم يقيناً أنَّ شعوبها لن تطبع، لذلك سلكت منهج التطبيع الوهمي.