كنوز عُمان المنسيَّة

 

 

سمير الهنائي

abunamir.mms@gmail.com

 

قد يكون هذا المقال بمثابة أُمنية أو مجرد حلم؛ بحيث استيقظتُ منه بعد رحلات عديدة لعِدَّة دول حول العالم، ومن خلال هذا الحلم هذه المرة، ومن امتعاضٍ شديد، بل وأسف على الوضع السياحي لدينا، جعلني أكتب هذه المرة في الشأن السياحي، الذي هو ليس كعادتي، ولكن كسائح أو مواطن يشعُر بالأسف غالبا على مقومات وطنه، ويشعر بالغيرة حينما يرى دولَ العالم التي شاهدها في تقدُّم وتنمية كبيرة في المجال السياحي، بينما في بلدي نفتقر للكثير من ذلك. ومن هنا، لنعترف بأنَّ الوضع السياحي لدينا ليس هو الشكل الحقيقي الذي يجب أن تكون عليه عمان اليوم، وأعتقد أنَّ الجميعَ يُدرك ما يميزها عن باقي دول الشرق وربما العالم.

فهي تزخر بالكثير من المقوِّمات السياحية المتنوعة؛ بما فيها التنوع الجيولوجي العظيم، ليس هذا فحسب بل هي آثار تاريخية تفتقدها العديد من دول المنطقة، خاصة فيما يتعلق بالكهوف؛ بحيث تعدُّ اليوم من أهم المتاحف الجيولوجية في العالم، وتقوم أغلب الدول بتوظيفها سياحيا، وتنشيطها هو مصدر دخل قومي للدول، ولكن مع الأسف هذه المتاحف لدينا لم تُستغل حتى الآن كمعالم سياحية تستقطب العالم بانفرادها المميز، ويُعتبر تطوير كهف الهوتة السياحي نموذجا، وهو يعد ثاني كهف في منطقة الشرق الأوسط مشغلًا سياحيًّا، ويتجاوز عدد الزائرين سنويا له أكثر من 60 ألف سائح، ورغم الإخفاقات التي حدثت وتحدث للكهف بين الفينة والأخرى، إلا أنه لا يزال نشطًا، وكزائر يتعذر عليك الحصول على تذكرة دخول في الإجازات الرسمية نظرا لوجود الكم الهائل من الزوار إذا لم يكن لديك حجز مسبق، وفي السلطنة ما زالت الكهوف تُكتشف بشكل مستمر، والتي يبلغ عددها حسب المعلومات 2000 كهف.

ولقد ناشدتُ سابقا وقبل سنوات بضرورة إنشاء هيئة عامة لإدارة الكهوف، تكون مُستقلة، ودورها إعداد الدراسات والبحوث الجيولوجية، وتنمية وتطوير وإدارة الكهوف في السلطنة؛ فهذا يعتبر إرثا سياحيا وكنزا من كنوز عُمان المدفونة تحت الأرض، ويجب أن لا يُستهان بها، بل إبرازها كمتاحف جيولوجية لها قيمتها لدى السائح؛ فهي تُعتبر شبه نادرة في المنطقة، مع الأخذ بالعلم جميع الكهوف حول العالم ليست متشابهة، إلا القليل منها؛ فهي تختلف في تكويناتها وجيولوجيتها وبيئتها من كهف لآخر؛ لذا فلنجعل منها سياحة تستقطب الباحثين والسائحين وطلاب المدارس والجامعات حول العالم، وإضافة إلى ذلك نستطيع توظيف البعض منها من أجل الأعمال السينمائية والتليفزيونية بما فيها العالمية الشهيرة، وهذا ما بدأت تعمل عليه بعض الدول في أوروبا الشرقية مِثالا، وأيضا بعض الدول في شرق آسيا كفيتنام وتايلند وكمبوديا، وأن نُدرك تماما كما يدرك العلماء أنَّ عُمان هي جنة الجيولوجيين في الأرض... ولِمَ لا؟! فهم يجدون ضالتهم هنا، ويجدون ما يثير شغفهم هنا، ويقيمون دراساتهم في علوم الأرض هنا، لذا آن الأوان أن ننهضَ بالسياحة الجيولوجية والعامة، لتكون داعما رئيسيا في الدخل، وأن نُوظِّفها بشكل أمثل، ونهتم قليلا بالدراسات الحقيقية ونقل تجارب الدول السياحية؛ فمثل هذه المقومات كنزٌ لا يفنى، بل هي مُقومات لا تنضُب بسهولة، ولأنَّ العالم الجيولوجي البيئي عالم يُثير دهشة الإنسان في التأمل، ويشغل العقل في البحث والمعرفة، وهذا ما يجعل العديد من السائحين مُتعطشين لرؤية هذه المعالم الطبيعية دائما.

وعلى سبيل المثال، أغلب دول شرق آسيا تعتمد على السياحة في دخلها القومي، بما فيها تهيئة الكهوف كمعالم سياحية للدولة، وبطريقة فنية مبسطة. وهذا ما أثارني في أغلب تلك الدول التي زُرتها؛ لدرجة عندما نزور البعض منها ننتظر الساعات الطويلة نتيجة تدفُّق السائحين لها، فماذا ينقص سلطنة عُمان في ذلك؟! إلى متى سنكون في سُبات لتطوير السياحة عامة؟! ومتى سنجعل من السياحة صناعة؟! أنا مؤمن بأنَّ الكوادر والمقومات موجودة، ولكن أين المسؤولون عن ذلك؟! أو هل هناك ما يعيق السياحة لدينا؟! ولماذا السياحة لدينا شبه مريضة وأين الأطباء عنها؟! لا يعقل أنَّ بلدًا كعمان حباها الله هذا التنوع العظيم، تكون بهذا المستوى السياحي المتدني!!!!

وأختم مقالي هذا بكل الأمل والتفاؤل بأنَّ غدًا ستصدُق المقولة التي قيلت في عُمان أنها سويسرا أو نرويج الشرق، وعلى ثقةٍ ستأتي ذات يوم أجيالٌ ككوادر نشطة أكثر مسؤولية، ستجعل من هذا الوطن بلدا سياحيا كبيرا، ليس بحاجة حتى إلى الذهب الأسود مُستقبلا وما شابهه؛ لأننا نعرف تماما أنَّ هناك العشرات من الدول قائمة على السياحة فقط. وقبل أن أختم أقول: "نحن قادمون على مرحلة جديدة فيما بعد الجائحة، ومنها عودة النشاط السياحي تدريجيا، والذي مما لا شك أن هذا القطاع قُصِم ظهره من آثار الوباء خلال الشهور الماضية، مع أمل إعادة تهيئته مجددا بالشراكة مع الجميع"، وكلنا أمل في مستقبل هذا الوطن بالقيادة "النشيطة" والحكيمة لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حَفِظه الله ورعاه- وأن تحظى السياحة عامة باهتمام أكبر.

تعليق عبر الفيس بوك