"السم الأمريكي".. العنصرية في الولايات المتحدة تحت المجهر

ترجمة- رنا عبدالحكيم

نجح الكاتب والصحفي الأمريكي إدواردو بورتر في وضع ملف العنصرية في الولايات المتحدة تحت مجهر البحث والتقصي، وذلك في كتابه "السم الأمريكي.. كيف دمرت العداوة العرقية الوعد".

إدواردو بورتر.jpg
 

ويُعد هذا الكتاب إجابة شافية على أسئلة: كيف كسرت العنصرية الأمريكية الميثاق الاجتماعي للولايات المتحدة؟ وكيف تآكلت سمعة الولايات المتحدة فيما يتعلق بحقوق الأقليات؟ وإلى أي مدى تسبب ذلك في إلحاق الضرر بحياة كل أمريكي؟ ويقدم الكتاب كذلك نظرة صادقة على الكيفية التي يمكن أن تبدأ بها هذه الجروح العميقة في التعافي.

فمقارنة بالدول الصناعية الأخرى، تخسر الولايات المتحدة قوتها في جميع مؤشرات الصحة الاجتماعية تقريبًا. ويقول إدواردو بورتر إن مشكلة العرق هي السبب إلى حد كبير.

وفي هذا الكتاب يُظهر الكاتب المخضرم كيف أدى العداء العرقي إلى إعاقة تطور- تقريبا- كل مؤسسة تسهم بدور في تحقيق المجتمع الصحي، بما في ذلك العمل المنظم والتعليم العام وشبكة الأمان الاجتماعي. وثمة عواقب وخيمة تترتب على ذلك وتزداد خطورة مع مرور الوقت. ويقودنا الكاتب بين صفحات الكتاب، في جولة عبر التاريخ وعبر أمريكا، بدءًا من صفقة الرئيس روزفلت من خلال إصلاح الرعاية الاجتماعية، مرورا ببيل كلينتون ووصولا إلى سياسات دونالد ترامب الرجعية والمسببة للانقسام، وفي خضم هذه الجولة يوضح بورتر كيف أعاق العداء العنصري التماسك الاجتماعي الأمريكي في كل منعطف مر به.

ويجادل بورتر بأنَّ التعاطف يولد دائمًا صراعًا غير متكافئ ضد العداء العنصري الممتد عبر التاريخ الأمريكي، مما يُسمم كل من الكارهين والمكروهين. ويرى أن المشاكل العرقية أضرت بالتضامن الأمريكي، مما جعل من المستحيل على البيض الفقراء، المهددين بفقدان الوظائف، التوفيق بين الأمريكيين الأفارقة والأمريكيين من أصل إسباني والمهاجرين. ويكتب بورتر "الأمريكيون الحقيقيون- البيض- منعوا إقامة دولة الرفاهية على الإطلاق".

بورتر، الذي يكتب في القسم الاقتصادي بصحيفة نيويورك تايمز، يصل إلى أقوى حالاته في الكتاب عندما يشير إلى المفارقة المأساوية للطبقة العاملة البيضاء، التي أُهلكت بفعل تراجع التصنيع وأُهدرت بسبب تعاطي المخدرات، وركزوا كراهيتهم على الأقليات ورفضهم للبرامج الاجتماعية مثل "أوباماكير". وكتب: "أمريكا التي بنت الطبقة العاملة الأكثر ازدهارًا في العالم على الإطلاق انهارت بسبب كومة من الأمراض، والافتقار إلى التعاطف. كما إن المفارقة الكبرى تتمثل في أن السود وأصحاب البشرة البنية عانوا بشدة من تداعيات العنصرية، وفي الوقت نفسه قضى انهيار الثقة الاجتماعية على الحلم الأمريكي للطبقة العاملة البيضاء أيضًا".

ويرى نقاد أنَّ تلك حجة قوية، لكنها تنطوي على مشكلتين؛ الأولى أن المؤلف يبالغ في تقدير القضية العرقية، ويُقلل من شأن الطبقات وثقافة السوق الحرة في شرح لماذا تجمع أمريكا نسبة أقل بكثير من الدخل القومي عبر الضرائب، مقارنة بالدول الأوروبية التي توفر خدمات صحة عامة وتعليم ورفاهية أكثر ملاءمة. أما المشكلة الثانية فتتمثل في أن بورتر يتعامل مع الكراهية العنصرية كجرعة ثابتة من السم الذي يسري في عروق الأمريكيين، لكنه يهمل السياسة، وخاصة الطريقة المنهجية التي قام بها السياسيون الجمهوريون مثل ريتشارد نيكسون ومن بعده، حيث دسوا السم في خطبهم اللطيفة حول "ملكات الرفاهية"، و"أسر السود المختلة" و"عار التبعية الاجتماعية".

ويمكن القول إنَّ هذا الكتاب بجانب أنه حجة واسعة وصارمة، إلا أنه في الوقت نفسه صرخة عميقة عن إشكاليات العنصرية في أمريكا. وفي الوقت الذي يكشف فيه عن أكثر الأمراض المعضلة في المجتمع الأمريكي، فإنه يشير إلى الطريق نحو الأمل، ويضيء المسار الذي يمكن من خلاله بناء فهم جديد للهوية العرقية وبناء مجتمع أكثر تماسكًا.

تعليق عبر الفيس بوك