يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
"كُن أنت سيد مزاجك، لا تدع أحداً ينتزع منك شغفك لشيء، رافق من تحب حتى لو كان كتاباً أو كوب قهوة" - فريدريك نيتشه
مُنذ وعيت على الدنيا، لم أجد مشروبا ثابتا في اليوميات غير القهوة الشقراء، والقدوع (مُفردة ترمز إلى التمر)، يبدأ بها اليوم، وينتصف وينتهي بها، هي علاج صداع الرأس، وهي أول ما يرحب بالضيف، وهي الشراب المفضَّل، وهي العادات والتقاليد، أحدِّثك عن الشقراء، وليس عن النسكافيه والإسبرسو والتركية الوسط والفرنسية بالحليب، هل تعلم أنَّ هذه الشقراء لذيذة الطعم قد دخلت في سباق الحلال والحرام، رغم أنها مُرَّة وليست حلوة!
قرأتُ وبحثتُ عن القهوة، فعلمت أنها قبل الإسلام تسمى خمرًا، بل وحُرِّم شُربها، وكانت مُحرَّمة على كثير من الناس، وقيل بشأنها الكثير عند المؤرخين ما بعد الحقبه الإسلامية، ومما لا شك فيه أن الجهل بقيمة القهوة ومكوناتها وتأثيرها هو ما تسبَّب بهذا الوصف، وهذه الحرب الأخلاقية ضد المتجاوزين المفترضين للخلق وقيم تلك العصور!
ومعروف أن القهوة أصلها من الحبشة (إثيوبيا)، وقد نقلها الرحالة عبر دروب السفر والتجارة إلى اليمن، وهناك يرجع إلى أهلها الفضل في معرفة القهوة التي نعرفها الآن، نستطيع القول بثقة عطفًا على أخبار التاريخ المتواترة إنَّ أهل اليمن هم من طوَّروا القهوة بالبداية بمهارتهم وجهدهم وإبداعهم، فظهرت القهوة التي نعرفها الآن، ومن خلالها اشتهرت اليمن بالبن، ومن هناك أصبح لها عدة أنواع، حتى إنك لو ذهبت لأي مقهى ووجدت شرابا أو نوعا اسمه "مُوكا"، هي كلمة في الحقيقة ليست أجنبية إنما مُعرَّبة، فهي أساسا المخا، وليس موكا، ولكن باللهجة أو الترجمة الإنجليزية قد أصبحت هي "الموكا"، التي هي المخا، وهي منطقة على الساحل اليمني، وفيها ميناء، ومن خلال ميناء المخاء يتمُّ تصدير القهوة إلى بلاد الدنيا، بذلك سُميت القهوة على اسم الميناء الذي هو اسمه المخاء، فهم بلهجتهم ينطقونها بالموكا موكاي مخا أو موخه، وهذه إحدى المعلومات عن القهوة.
والمعلومات مُتضاربة حول تاريخ اكتشاف القهوة؛ إذ يعتبر البعض أنها تعود للقرن العاشر، والبعض الآخر يرجِّح أنه تم اكتشاف هذه النبتة في القرن الخامس عشر، في إحدى زوايا التصوف في اليمن. ويُقال إنه تم اكتشاف أثرها المنشط على يد قبيلة الأورمو في إثيوبيا؛ وذلك في القرن السابع عشر (1).
وكان الطبيب الرازي -الذي عاش في القرن العاشر للهجرة- أول من ذكر البُن في كتابه "الحاوي"، وكذلك ذُكر البن في كتاب "قانون الطب" لابن سينا، الذي عاش في القرن الحادي عشر (2).
ومن إحدى القصص التاريخية: أنه في العصر المملوكي، وفي أثناء عودة الأمير خاير بك حاكم مكة إلى القاهرة في عهد السلطان قنصوة الغوري، شاهد جمعًا من الناس قد انتحوا جانبًا من المسجد الحرام، مستغرقين في كؤوس الشراب، وما إن شاهدوه حتى قاموا بإطفاء الفوانيس مما زاد شكوكه، بدأ الأمير في السؤال عن شرابهم، أُجِيب بأنها القهوة التي جُلبت حُبوبها من اليمن، والتي انتشر تناولها في مكة المكرمة في أماكن يرتادها الرجال وأحيانًا النساء، وحينها قرَّر خاير بك اللجوء لممارسة سُلطاته التي كان من ضمنها الحسبة؛ فأمر بجمع كبار فقهاء مكة، وبعد أنْ شرح لهم تكرار اجتماع الناس في أماكن شرب القهوة، مع ضرب العود والدف أحيانًا، فأفتوا بأنَّ حب البن حكمه حكم بقية النباتات. أما اجتماع الناس على شرب القهوة، فإنه حرام، وعلى هذا يجب أن يحرم شربها (3).
وحينما نتحدَّث عن الفلسفة والعلوم الإنسانية، فقد عرف عن ثلاثة من أبرز المفكرين الفلاسفة علاقات يومية مع القهوة بل وإدمانها: الفيلسوف فولتير، يقال إنه كان يستهلك ما بين 40 و50 فنجاناً من القهوة في اليوم، ويُعتقد أنها كانت قهوة ممزوجة بالشوكولاتة، وعاش حتى جاوز 80 عاماً، رغم تحذيرات طبية من أن قهوته الحبيبة ستقتله.
ويُشار إلى أنَّ فولتير كان يشرب القهوة في مقاهٍ معينة، بل وكان يدفع الكثير ليتم استيراد قهوة فاخرة لاستخدامه الشخصي (4).
------------------------------
(1) مقال: "تاريخ القهوة في سطور... ما هو متحف القهوة؟ ولماذا حرّمها رجال الدين؟"، مجلة "لها"، بقلم: كارولين بزي، نُشِر في 26 يوليو 2018.
(2) المصدر السابق.
(3) مقال: "قصة تحريم «القهوة»: أحدثت فتنة بين علماء الدين"، الكاتب محمد طاهر، جريدة "صدى البلد" الإلكترونية المصرية، نُشِر في الخميس 29 مارس 2018.
(4) مقال: "الفلاسفة يدمنون المخدرات السمراء"، جريدة 24 الإلكترونية، ترجمة: أحمد شافعي (المقال الأصلي: تقرير لكولين مارشال، صحيفة "هافينغتون بوست"، نُشِر في الثلاثاء 17 مارس 2015م.