بين التعليم وقيم البناء الاجتماعي

سعيد الشحري

saidomani2020@gmail.com

الحق أنني أردت الحديث عن الموضوع ليس بصفتي تربوياً فحسب، بل ومتقمصاً دور المراقب الذي يرى أحياناً من بعيد مالا يراه من هم في دائرة القرار، ليس انتقاصاً وإنما مكملاً لهم، فاللحظات الفاصلة في مصير الشعوب أو قل المنعطفات التاريخية ومحتمات التغيير تحتاج من القوى المُؤثرة والفاعلة إدراك التصورات وحركة الزمن أكثر من اتخاذ القرارات على الأقل لفترة ليست بالقليلة لتدرك خلالها أولويات المرحلة وقيادة دفة الأمور في المسارات الآمنة.

لا مراء أنَّ التعليم كمكتسب إنساني هو ليس غاية في حد ذاته بل وسيلة هامة وشاقة، كونه رافداً للمشروع النهضوي الذي حمل على عاتقه مسؤولية تطبيق وتوجيه الجهود لإنجاز الرؤية الوطنية التي من أهم مكاسبها تهيئة مناخ حيوي تتوافر فيه القدرة على الفعل والتنوع وبدائل من الاستثمار والفرص المتكافئة والدعم المنتج ومساندا للبحث العلمي ومستفيدًا من نتائجه، فالمستقبل ليس بفهم الأوضاع الراهنة فحسب بل وكذلك ماعلينا فعله والثبات عليه، ففهم الأوضاع منوط بتوسيع الدائرة المستطيلة لتضم مكامن الخبرة والمفكرون بل والحالمون دون حرج أو مبالغة، فالإنجازات العظيمة كانت مجرد أحلام لحظة الانتشاء واندفاع العزيمة، أما الثبات على الاستحقاقات الوطنية فمرهون بوضوح الرؤية والنوايا الجادة لجعلها ترى النور بدلاً من التنظير واجتزاء الزمن واستدعائه في عالم الخيال، فأسهل قرار يمكن  أن تتخذه أي أمة هو التبعية الحضارية وهو بلاشك ليس قرارا طوعيًا توفرت له إمكانية الاختيارمن عدمه بل مجبرة عليه لدواعٍ لا مجال لذكرها، وهو بشكل أو بآخر يُؤكد لنا ضرورة الاستفادة من الأوقات الحاسمة من عمر المجتمعات، فالقوة العاقلة والرشيدة تفكر وتخطط وتحشد الطاقات للتلاحم والبناء وهذه هي السيادة الحقيقية بعيدا عن سيادة الجغرافيا فحسب في عالم تغزوه ثورة العقل والتكنولوجيا قبل الحروب التقليدية. فالحق أن الغايات الكبرى تقودنا للتفكير في الوسائل والأدوات والتي من أهمها منظومة التعليم وقيم البناء الاجتماعي، دعوني أطرح إشكاليتين أو قل تحديين وهما من وجهة نظري مؤثرين ليس بحكم الندرة والتفرد بل بمقتضى ماكان وما يجب أن يكون.

التحدي الأول ماهية التعليم الذي نصبوا إليه، أهو التعليم الكمي الذي يهدف لمحو أمية القراءة والكتابة أم النوعي الذي يرتكز على بناء القدرات وغرس القيم وإكساب المهارات في إطار بناء شخصية الفرد بجوانبها المعرفية والمهارية والانفعالية، مركزين بين هذا وذاك على انتقاء فئة من الموهوبين والطاقات العلمية لعلها تكون ثروة قومية لمشروعنا الحضاري ونهضتنا المتجددة.

التحدي الآخر هو قيم البناء الاجتماعي، والتي تشكل الفكر الجمعي للناس، كقيم العمل والإنجاز والصدق والتسامح، والحوار مع الآخر وقيم العدالة والأمانة والإيجابية وحب العلم والمواطنة، فالتعليم هو عملية اكتساب من العلم الذي هو بناء معرفي يتضمن الحقائق والمبادئ والنظريات والقواعد، فقيم البناء الاجتماعي ينبغي لها أن تكون داعمة وحاضنة لمنجزات الوطن، هل لك أن تتصور مجتمعاً تسوده السلبية والتناحر وغياب الأمانة أن يحتضن نهضة علمية أو منجزات كبيرة قادمة؟ بالطبع لا فصرح التعليم وما تحقق فيه يجبرني على استدعاء قيم الحب والاعتزاز فأحافظ عليها وأنظر بعين الإيجابية وأغض الطرف عن جوانب القصور قياساً على ما تمَّ بذله، كما إن قيمتي المواطنة والتسامح ستكونان سدا منيعاً أمام أي محاولات لشق الصف أو بواعث الفوضى.

في الحقيقية لم أفكر مطلقاً في أنَّ ما ذكرته مثالي إلى حد الاستغراب ولا يقيناً مطلقاً لدرجة التسليم، لكن مقاربات فكرية شعرت نحوها بالأهمية كثيرا والثقة الأكيدة بقيادتنا الحكيمة على ما قامت به وتخطط له وهي من قبل ومن بعد تواصل مسيرتها بحكمة وبرؤية طموحة ومتقدة نحو عُمان المستقبل.

تعليق عبر الفيس بوك