أثر القانون على أسلوب الحياة ومتغيراتها

بيان بنت علي المهرية **

Bayan_almahri@hotmail.com

إن موضوع تأثير القانون على أسلوب الحياة ومتغيراتها  يعتبر من المواضيع التي لها جانب كبير جداً في السياسة الجنائية والعدّلية، كون أن هذه السياسات تتميز بسمات وخصائص تعكس المصالح الواجب حمايتها. وعلى ضوء ذلك يأتي القانون ليحدد هذه المصالح فيتبنى الفكر السياسي الكلاسيكي الذي بدوره قد تأثر بنظرية العقد الاجتماعي التي انعكست على معيار العقاب. وذلك من أجل إرساء مبدأ حسن سير العدالة الذي يهدف إلى تحقيق العدالة والأمن والاستقرار المجتمعي، وذلك عن طريق اتخاذ إجراءات معينة تتمثل في صور الحماية المجتمعية ومكافحة الجريمة و رد الحقوق إلى أصحابها. ويكون هذا في شاكلة قوانين مُقننة تحتاج أن تواكب التطور والحضارة ومتغيرات العصر، فمن خصائص القانون أنه يتجلى بالعصريّة والعمومية وأن يكون تطبيقه ملزم على إقليم معين ومحدد، فلا تظهر الحاجة في تطبيق القوانين إلا في حال تواجد مجتمع وإقليم وشعب.

ومن هنا تظهر أهمية القانون وأثره على نمط الحياة ومتغيراتها، كالتوفيق بين مصالح الناس ومتطلبات حياتهم وتطوّر الدولة واستقرارها ونمائها بشكل عام. فالقانون عبارة عن مجموعة من القواعد العامة المجردة التي تنظم سلوك الأفراد داخل المجتمع، فهو ينظم علاقاتهم ببعضها البعض ويدعم السلام والاستقرار، وكذلك يوافق بين حاجات الناس والمصالح المتعارضة فيما بينهم وذلك بسبب اختلاف طبيعة الأفراد حسب رغباتهم ومطالبهم واحتياجاتهم. ومن  ناحية أخرى فهو يحمي المجتمعات والمصالح السياسية ويحفظها من أي مكروه دولي أو إقليمي قد يحصل –لا سمح الله- ويؤثر على المجتمع بشكل مباشر. وعليه يكون القانون داعم أساسي ومفصلي في سلامة المجتمع واستقراره وطريقة ممارسته لحياته اليومية، فلا يكاد أن يكون هناك مجتمع واعٍ ومتقدم ومليء بالازدهار إلا وإن كان ينعم بالسلام والأمن بالقوانين التي تعزز ذلك والعكس صحيح.

وقبل تسليط الضوء حول مسألة متغيرات الحياة ودور القانون في التعامل مع هذه المتغيرات؛ يتحتم علينا توضيح دور العاملين والباحثين في مجال مكافحة الجريمة. فهم بلا شك يسعون إلى القضاء على طبيعة الجرم وتطبيق القانون بالشكل المثالي لكي يرتقي المجتمع ويصل لأعلى مراتب أمنه واستقراره، وذلك من خلال التدابير الذي يتخذونها في الحد من الجرائم عن طريق تطبيق النظام العقابي وفق سياسة قانونية معينة، شريطة أن يأخذون بعين الاعتبار على الزوايا الأخرى التي لم تشكل حلاً نهائياً لكافة الجرائم خاصةً في ظل وجود ظاهرة العود إلى الجريمة. وعلى ضوء ذلك ظهرت دعوات إلى تطبيق عقوبات بديلة وحديثة، التي تهدف إلى وضع آليات معينة في التعامل مع المجرمين لإصلاحهم ذاتيًّا وتأهيلهم للإنخراط مع المجتمع من جديد، وذلك بشكل سلّمي تجنبًا لأي أثر سلبي قد يؤثر على أحد أو جميع الأطراف المتمثلين في: المتهم والمجني عليه (المجتمع) والدولة. وبطبيعة الحال للوصول إلى الحقيقة الكامنة حول فكرة معينة –حسب رأي الباحثة- لابد من الرجوع إلى الأسباب والسعي نحو معالجتها بشكل دقيق وسليم وعدم اتباع طريق واحد لا يسعف جميع الحالات وشتى الشخصيات والوقائع.

ومما لا شك فيه إن اتباع نهج وأنظمة دقيقة في هذا المجال يسعف التقدم المجتمعي وسلامته جراء التغييرات التي قد تطرأ ضمن مرتكزات الحياة وسُننها الكونية. ولهذا نجد أن المشرع العماني -ولله الحمد- قد وفّق في تنظيم وإرساء النظام الاساسي للدولة الذي يشمل المبادئ الأساسية لكافة القوانين، ومن ثم تأتي هذه القوانين مترجمة لهذه المبادئ حتى وإن سبقت عن تاريخ صدوره. وكلها قد قُننت في عهد حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور طيب الله ثراه. فلا يختلف القرن الحادي والعشرون عن القرن التاسع عشر في الإزدهار والنماء من أوجه مختلفة، وسيبقى التاريخ شاهد لهذيّن القرنين بصفتهما من أزمنة الازدهار والاستقرار والبناء، وعليه تكون الحاجة إلى التطّور في مثل هذه الأوقات أكبر من أي وقت مضى، وهذا ما نشهده الآن في ظل قيادة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور حفظه الله ورعاه وأيده وأبقاه، فالنهضة المتجدّدة قائمة على اعتبارات وأسس متينة وثابتة بالقوانين وخصائصها.

وتطبيقًا على ما سلف، فإننا نرى بأن الواقع العملي والحالي في ظل وجود جائحة كورونا (كوفيد 19)؛ قائم بشكل أساسي حول القواعد الإجرائية والآليات المتبعة في صدده، سواء من النواحي الطبية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو غيرها، فكلها تنصب تحت مظلة واحدة وهي مظلة الإجراءات القانونية ذات العلاقة. وعليه لا زال موضوع اللجنة العليا التي تشكلت بناءً من لدن حضرة صاحب الجلالة –حفظه الله ورعاه- في تولى موضوع التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار الفيروس تشكل محطة مهمة وداعمة أساسية في استقرار وحفاظ على أمن وسلامة الدولة جراء هذه الجائحة. بحيث تكون جميع قرارات اللجنة بلا شك وفق صحيح القانون وقواعده الفنية.

وعلى ضوء ذلك تجدر الإشارة إلى بيان دور (قانون التفسيرات والنصوص العامة) الذي يعتبر من ضمن أوائل القوانين التي صدرت في أواخر عام 1972م. ويكمن دوره في تفسير بعض التعبيرات والنصوص العامة سواء تلك التي صدرت قبل هذا القانون أو بعد نفاذه. فقد بينت المادة (11) من ذات القانون على أنه عندما تصدر أي أوامر أو قواعد قانونية؛ فهي لا تتعارض مع أحكام أي قانون آخر، بل ويكون لها الحق بفرض عقوبات مناسبة حسب الحالة وتقدير السلطة بذلك. وهذا هو الحال في قرارات اللجنة المكلفة بالتعامل مع تطورات انتشار جائحة كورونا (كوفيد19)، لكونها تشكلت وفقًا لما رسمه القانون وبينّه، على اعتبار أنها آليات تكفل وتنظم كافة الإجراءات الفنية والتنظيمية المتعلقة بهذا الشأن، وذلك بهدف أن لا يكون هناك أي لبس أو تعارض متعلق بمسار أي إجراء.

وختامًا، فإن أثر القانون على أسلوب الحياة ومتغيراتها يعتبر من الأمور الأساسية التي تهدف وتراعي بالدرجة الأولى استقرار وأمن وسلامة الدولة والحفاظ على مصالح شعبها. والسلطنة تعتبر من الدول المؤسسة على القوانين والتشريعات التي لها بُعد حكيم ودقيق. وعلى هذا الأساس نرى بأن القوانين تعتبر ذات أهمية كبيرة جداً في ثبات واستقرار أمن المجتمع وسلامته. والمضي قُدماً بالدولة على ضوء القانون يشكل دور بارز في النماء والرفعة لكافة الأفراد والمؤسسات والمجتمع الاقليمي وكذلك علاقاته الدولية. وأخيرًا كل الشكر والتقدير للجهات التي تسهر على الحفاظ على الوحدة الوطنية ورعايته وحمايته. ورحم الله باني عُماني ومؤسسها، وحفظ الله سلطاننا هيثم بن طارق المعظم ووفقه وأيده بالحق والسداد.

نقلاً من مجلة الحرس السلطاني – 23/يوليو/2020م

** قانونية وباحثة ماجستير

تعليق عبر الفيس بوك