"جارديان": بكين تملأ فراغ واشنطن بعد الانسحابات الطوعية من المشهد الدولي

"شيفونية ترامب" تضعف جهود أمريكا في تشكيل تحالف عالمي ضد الصين

ترجمة- رنا عبدالحكيم

أكدت صحيفة ذا جارديان البريطانية أن جهود الدبلوماسية الأمريكية لتشكيل تحالف عالمي لمواجهة ما توصف بأنها انتهاكات صينية، تواجه إخفاقات متكررة نتيجة لـ"الشيفونية" التي يعززها شعارالرئيس الأمريكي دونالد ترامب "أمريكا أولا".

وتتصاعد المواجهة بين الولايات المتحدة والصين مع مرور الوقت، وفي الأيام القليلة الماضية،أغلقت الحكومة الأمريكية القنصلية الصينية في هيوستن وسط مزاعم بأنها كانت مركزا للتجسس، وفي المقابل أغلقت بكين مقر البعثة الأمريكية في مدينة تشنغدو جنوب غرب البلاد من باب المعاملة بالمثل، وفيما يبدو انتقاما من القرار الأمريكي.

وألقى مكتب التحقيقات الفدرالي القبض على باحثين صينيين في جامعات أمريكية يشتبه في صلتهم بجيش التحرير الشعبي، ولجأ أحدهم مؤقتًا إلى القنصلية في سان فرانسيسكو، قبل أن يستسلم.

ورافقت التحركات القانونية الأكثر صرامة مجموعة منسقة من الخطابات التي هاجمت الصين، من قبل كبار مسؤولي الأمن القومي والسياسة الخارجية في إدارة الرئيس دونالد ترامب، وبلغت ذروتها في خطاب ألقاه وزير الخارجية مايك بومبيو قال فيه: "يجب أن ينتصر العالم الحر على هذا الطغيان الجديد".

وسافر بومبيو إلى يوربا ليندا،بولاية كاليفورنيا، موطن مكتبة ريتشارد نيكسون الرئاسية، ليعلن أن الانفتاح التاريخي للرئيس الجمهوري على الصين في عام 1972، كان بمثابة بداية لفشل العلاقات بين الشرق والغرب.

وقال بومبيو "إن نوع الشراكة الذي نسعى إليه لم يحقق التغيير المطلوب في الصين والذي كان الرئيس نيكسون يأمل في إحداثه".وأضاف"الحقيقة هي أن سياساتنا- وسياسات الدول الحرة الأخرى- أعادت إحياء اقتصاد الصين الفاشل، فقط لرؤية بكين تعض الأيدي الدولية التي أطعمتها".

وترى الصحيفة أنه يمكن التغاضي عن اللهجة الجيوسياسية الحادة والنظر إلى دور المشاعر المناهضة للصين في دعم جهود ترامب لإنقاذ رئاسته في انتخابات نوفمبر المقبل. كما إن بعض هذه المشاعر العدائية ربما تعكس وجهات نظر بومبيو الخاصة، على حساب مسؤوليته الوظيفية، فيما يبدو أنه يمهد الطريق لنفسه للترشح في انتخابات عام 2024.

غير أن الكثير مما قاله بومبيو سيكون له صدى عالمي بفضل عدوان بكين المتزايد على جبهات متعددة حول العالم، حسبما ترى الصحيفة في تقريرها. وفي الوقت الذي جُمع فيه أكثر من مليون مسلم من الإيوغور المسلمين في معسكرات الاعتقال، قام النظام الصيني بإلغاء الحريات التي تتمتع بها هونج كونج، واستولت بكين على الجزر والشعاب المرجانية المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي وحولتها إلى مشكلات ملموسة، واستولت على الأراضي الخطرة على حدودها مع الهند.

وجادل بومبيو بأن مكافحة قبضة الحزب الشيوعي الصيني "هي مهمة عصرنا"، وهو تصريح من المرجح أن يؤجج الكثير من نقاط التوتر في أجزاء كبيرة من آسيا والمحيط الهادئ على الأقل. لكن زعمه بأن "أمريكا في وضع مثالي لقيادتها" كان بمثابة تصريح غير واقعي خاصة في ظل توتر علاقات أمريكا مع حلفائها الذين يشعرون بالحيرة من السياسات الأمريكية. إذ يرون أن الصين توسعت نتيجة للفراغ الذي تركته الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب الذي يتحلى بالشوفونية من خلال شعاره الأحادي "أمريكا أولاً".

وتمثلت أولى خطوات السياسة الخارجية لترامب في انسحاب الولايات المتحدة من مفاوضات الشراكة عبر المحيط الهادئ التي تم تصميمها باعتباره تحالفا اقتصاديا يهدف لمنع الصين من إملاء شروط التجارة في القرن الحادي والعشرين. وقد أحرز حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة تقدما ملحوظا، لكن الضعف الذي أبدته واشنطن كان مؤثرا للغاية في ظل غياب إدارة أمريكية قوية، والتي سعت بدلاً من ذلك إلى إلغاء الاتفاقيات التجارية القائمة مع شركائها.

وبالمثل، فإن جهد الولايات المتحدة لإقناع الصين بالانضمام إلى مفاوضات الحد من التسلح سيكون له وزن أكبر على المشهد العالمي؛ إذا لم تكن إدارة ترامب قد خرجت من ثلاث اتفاقيات للحد من التسلح حتى الآن، ويبدو أنها بصدد التخلص من اتفاقية رابعة، فالخطوة المرتقبة تتمثل في انسحاب أمريكا من اتفاقية تحد من الأسلحة النووية الاستراتيجية مع روسيا.

وخير دليل على تنازل الولايات المتحدة عن دورها القيادي العالمي، الانسحاب المفاجئ من منظمة الصحة العالمية في خضم وباء عالمي،علاوة على حملة من الادعاءات التي لا أساس لها ضد مسؤوليها بقيادة مايك بومبيو.

وتؤكد الصحيفة أن الفشل الواضح في استجابة إدارة ترامب لوباء كورونا- الذي تسبب في أن تكون الولايات المتحدة أكبر بؤرة للفيروس-ومنع الأمريكيين من السفر إلى معظم أنحاء العالم، جعل من الصعب أن يتوافق دبلوماسيو أمريكا مع الحكومات الأخرى حول العالم في قضية مشتركة ضد الصين.

والأمر ذاته ينطبق على مشهد الوحدات شبه العسكرية التي لم يتم التعرف على عناصرها حتى الآن، وتنفذ عمليات اعتقال في بورتلاند أكبر مدن ولاية أوريجونا الأمريكية.

وتختتم الصحيفة تقريرها بالقول إن أمريكا تواجه تحديا كبيرا مع تراجع قوتها العالمية، بينما تتجه الصين نحو الاستحواذ على النفوذ الأمريكي نيابة عن واشنطن.

تعليق عبر الفيس بوك