الإمارات.. إلى المريخ!

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

"إنَّ تعليم الناس وتثقيفهم في حد ذاته ثروة كبيرة نعتز بها؛ فالعلم ثروة، ونحن نبني المستقبل على أساس علمي" - زايد بن سلطان

*****

في غمرة الخلافات السياسية بين دول المنطقة، وفي خضم ظروف سياسية وأمنية صعب تفكيكها، تفاجئنا الإمارات كعادتها بإنجاز جديد، هذه المرة يتجاوز حدود الإقليم، والمنطقة والعالم، لتُقلع إلى الفضاء الخارجي في رحلة سيَّرتها خيال، يطرزها الأمل، ويقودها السعي المخلص لرفع مستوى البلاد إلى أعلى طبقة من طبقات الجو، عبر "مسبار الأمل"، الذي يحمل آمال الملايين من أهل الكوكب لسبر أغوار المجرة، والاطلاع على ما تحتويه الكواكب السيارة، وما تخفي في بنودها وفقراتها وسطورها المكتوبة.

دائما.. تبهرنا الإمارات بالجديد، وبالمذهل، وآخر الأخبار السارة وليس آخرها انطلاق المسبار الفضائي؛ إذ شهد يوم العشرون من شهر يوليو إطلاق المسبار الفضائي، الذي انطلق في رحلته العلمية المنتظرة من مركز تانيغاشيما في اليابان.

الدرس المستفاد من هذه التجربة العلمية الفريدة؛ هو: أنَّ الدول الفاعلة تنظر للأمام وللمستقبل وللرفعة بين الأمم، ولا يُوقف إرادتها مثبط أو هادم للآمال، تضع عينها على حاضر مشرق يتكئ على ماض مشرف ممكن الأنظار نحو مستقبل متجدد دوما، لا يقف عند وتيرة واحدة، بل تجد خططا تُوضع وتدرس، وعند إقرارها تحتل مكانها بالتسلسل الزمني ضمن خطط متنوعة متطورة، وهذا هو ديدن الدول الساعية للأمام، التي تجد بها في كل يوم تقدما ومنجزات.

قد تكون شهادتي مجروحة ككويتي في الإمارات -قيادة وشعبا- لأنَّ ما يربطني ككويتي أولا وكخليجي ثانيا بالإمارات أكبر من مقال عابر وكم سطر مكتوب، وبالذات أنا كاتب هذه السطور لأن علاقتي العائلية الخاصة بالإمارات الحبيبة تمنعني من أن أكتب عنها درءا لأي تأثير للعاطفة والمحبة لهذه الدولة العزيزة وأهلها، حتى لاتجرح شهادتي.

حتى تعرف نظام الإدارة والقيادة الذي أثمر عن مسبار الأمل، الذي لامس الخيال، سأتركك بلا تعليق على إحدى كلمات مهندس الإنجاز الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: "في كل صباح في إفريقيا، يستيقظ غزال يدرك أنه يجب أن يعدو بخطوات أسرع من خطوات الأسود، وإلا كان الموت مصيره. وفي كل صباح في إفريقيا، يستيقظ أسد يدرك أنه يجب أن يعدو بخطوات أسرع من أبطأ غزال وإلا سيموت جوعًا. لا يختلف عليك الأمر سواء كنت غزالاً أم أسدًا، عندما تبزغ الشمس "عليك أن تعدو بأقصى سرعة".

أي أنَّ القصة ليست في مسبار تدفع مالا كي تصطفي إنجازه لك، بل القصة في العقلية التي وثقت بالإنسان وتنميته، وإعطائه الفرصة ليبرز مواهبة على قاعدة من الثقة والإتقان؛ إذ ليس سهلا ولا الأموال لوحدها بوسعها أن تُحقق العد التنازلي لإطلاق المسبار إلى الفضاء الخارجي، هناك من كان يتصوَّر أن علوم الفضاء وتقنياته حكر على دول معينة، وبالتأكيد كان هناك من يستهزئ ويقلل من شأن الإنجاز، وهو أمر مفهوم لأن العاجز لا يُمكن أن يكون والمتحرك في مركب واحد.

ما أكثر المنشآت العلمية في بلداننا، وما أجمل مبانيها، وما أفخم أثاثها، وما أكثر الموظفين وليس (العلماء) الذين يتنقلون بين مكاتبها الإدارية وليس (مُختبراتها العلمية)، وكأننا نضيف المباني لمسيرة البيروقراطية القاتلة للإبداع، لم نفهم ولم تفهم خططنا التنموية الخمسية والسدسية وخمسة وعشرين ثلاثين وخمسة وعشرين خمسة وثلاثين... وغيرها من الخطط التي جل ما تحمل فقط شعارات براقة، وعلى أرض الواقع يا قلب لا تحزن، إن إنتاج عالم واحد فقط سنويا في أي علم من العلوم النظرية أو التجريبية يساوي كل هذه الخطط مجتمعة، ومبانيها ذات المكاتب الإدارية الفخمة!

هناك من يفهم أن دعم العلم والعلماء فقط مبانٍ فخمة وأثاث من أحدث الصيحات، وهذا خطأ كبير، دعم العلم هو توفير الأرض الخصبة للإنتاج العلمي وفق معايير وأسس صلبة وواضحة ودعم مالي وإداري لا لبس فيه، يشجع الإبداع، ويفرق بين الذي يعمل والذي لا يعمل، يجعل البيئة العلمية جاذبة لا مكان فيها للترضيات والتنفيع، وهذا ولدنا، وهذا ابن عمنا، وهذا ابن خالة جدة عمة ابن أخي!!!

تصوَّر لو كل سنة يخرج لنا متميز في علم الشريعة أو اللغة او السياسة أو علم التاريخ أو الفلسفة أو الإعلام، هذا في العلوم الأدبية والإنسانية، أو يخرج لنا عالم في علوم الطب او الهندسة الوراثية، أو في علوم الكمبيوتر والحواسيب، أو علوم الفضاء، لست طماعا فقط عالم واحد في كل تخصص، وقتها انظر إلى حالنا كيف سيكون؟!

هنيئا لنا وللإمارات العزيزة -قيادة وشعبا- هذا المنجز العلمي الباهر، الذي أعتبره بداية طموحة، وإلى مزيد من الإنجازات لهذا البلد الخليجي العزيز، وبانتظار افتتاح محطة براكة للطاقة النووية في أبوظبي كإنجاز منتظر في القريب العاجل.

 

قال تعالى: "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ" (الزمر:9).