الحزم الأنثوي في مواجهة "كوفيد 19"

عاطفة بنت علي السهلانية

أثارتْ مجموعة من الوسائل الإعلامية العالمية، مؤخرا، مُلاحظة؛ وهي أنَّ الدول التي تقودها نساء -من قبيل ألمانيا وأيسلندا والنرويج وفنلندا ونيوزيلندا والتايوان- قد سجَّلت نجاحا لافتا للغاية في السيطرة على الجائحة؛ مما دعا للتساؤل عن السر في ذلك. فصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية نشرت تقريرا تساءلت فيه: "لماذا تكون الدول التي تقودها النساء أفضل في إدارة فيروس كورونا؟"؟

"BBC" العربية في موقعها الإلكتروني ذكرت أن مجلة "فوربس" اعتبرتهن أمثلة يُحتذى بها في القيادة الحقيقية. وتدليلا على نجاح قيادتهن، فقد ذكرت الصفحة ذاتها، أن رئيسة وزراء أيسلندا "كاترين ياكوبسدوتير" قد اتخذت قرارات منع التجمعات التي تزيد على 20 شخصا في يناير، هذا قبل تسجيل أول إصابة بالمرض. أما "جاسيندا أرديرن" رئيسة وزراء نيوزيلندا، فقد اتخذت واحدا من أكثر المواقف صعوبة في العالم -والكلام للموقع المشار إليه قبل قليل- فبدلًا من سياسة تثبيت معدل الإصابة الذي سعت إليه دول عديدة، اتبعت هذه المرأة نهجا مختلفا لوقف هذه العدوى.

فهل السر يكمُن في إضفاء "التنوع" على عملية صنع القرار، كما تقول "غوبتا" مديرة أحد برامج الأمم المتحدة المتعلقة بالنساء- بحسب ما تنقل عنها BBC العربية على صفحتها؟

الأمر من وجهة نظري أعمق بكثير من هذا، إنَّه راجع لصميم كيان الأنثى بما هي أنثى، وما يراه عقلها ووعيها من الأهم والمهم، فضلا عن حالة الاستشعار والاستجابة الذي يُرافق نمط تفكيرها ولا يتخلى عنها بتاتا، كما لا يتخلى نمط الاستشعار والاستجابة الذكوري عنه أبدا. مكمن الفرق في الجذور السيكولوجية لكل منهما، فهذه الجذور تحدد الفارق في الإدارة، تبعا لفارق الاستشعار والاستجابة والتصميم.

لا يحتاج الرجل لكي يُوافقني على أن الطريقة التي تتبعها المرأة في الاستشعار بما حولها، يختلف جوهريا عن طريقة استشعاره لها، لا يحتاج لكي يوافقني فيه، أن يكون متزوجا، حتى يعيش التجربة، كلا! فيكفيه أنه ابن! نعم ابن، فلقد أنجبته امرأة، وكانت قد حملته في كيانها؛ حيث لا يحب أحد أن يحمل أحدا أبدا! فأي نوع من التصميم ذاك الذي هيأ جوها النفسي والروحي للدخول في مثل هذه التجربة؟ تستند هذ التجربة إلى الاستشعار الصحيح للفكرة، ثم الاستجابة الإيجابية تجاها، ثم الدخول في نمط حياتي مختلف كليا عن أي رجل قد يدخل فيه على وجه الأرض، ولمدى 9 أشهر. أما ما بعد ذلك، فالتجربة تضع بين يدي المرأة أدواتا، لا توجد ورشة تستطيع توفيرها للرجل أبدا.

الغرض الأساس من الإشارة إلى تجربة الحمل والولادة والاحتضان والتربية، للتنبيه على أن استشعار المرأة لما حولها يختلف تماما عن استشعار الرجل لما حوله. المرأة يحدث لديها "اندكاك" في الموقف، ويبلغ الذكاء العاطفي ذروته عندها، فتخرج الاستجابة بنمط لا يفهمه الرجل. خرج الرئيس الأمريكي أمام الصحافة بلا كمامة، مظهرا استهتارا لا نظير له، وبرره له بعضهم بأن الجبروت الأمريكي يتطلب هذا الموقف! في حين مارس بعض رؤساء الدول التي اجتاحها الوباء بنحو خطير استهتارا، بما كانت المواقف العلمية تمليه، وتأسفت عندما وقع نظري قبل أيام على تغريدة لعضو مجلس الشورى تقول بأنه يسعى لموعد مع أحد الشخصيات المهمة في إدارة شأن الجائحة بالبلاد، منذ 4 أشهر ولكن بلا جدوى!

ظهرت رئيسة وزراء نيوزيلندا أمام شعبها عبر FACEBOOK LIVE مظهرة أعلى درجات الالتزام بالذكاء العاطفي معتذرة مرة تلو الأخرى، حتى علقت عالمة الاجتماع في كلية KINGS في لندن على خطابها ذاك قائلة -بحسب ما نقلت صفحة قناة العربية عنها: "قد يصبح هذا النمط من القيادة أكثر شيوعا مع تصاعد عواقب تغيير المناخ والكوارث الطبيعية الأخرى".

يُكثِر الطفل من النداء "ماما" عن ندائه لوالده بمئات المرات في سنينه العشر الأولى، وقد يخاف من غلظة أبيه، لكن تجهم وجه أمه بالنسبة له كارثة حقيقية، لأن ردة فعله مع سطوة أبيه ناجمة عن خوف وحده، أما شعوره بالاستياء والكآبة من تجهم وجه أمه في وجهه، وقلقه البالغ من حزمها التام، فهو نتاج ارتباط حُبي وعاطفي، لا يستطيع أب أن يوجده بدرجة تفوق عن التي توجده الأم. وتسرب الضرب في البيوت من قبل الآباء، حدث أول ما حدث، لعجز الأب عن تطويع أولاده، فلجأ إلى العنف بديلا عن الحُب!

التنوع في الأخذ بالآراء سجله القرآن لصالح بلقيس ملكة سبأ، عندما قالت لمن حولها من رجال بلاطها: "يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنتُ قاطعة أمرا حتى تشهدون"، والاستجابة الجادة بعد استشعار المسؤولية بمستوى الاندكاك فيه، واستخدام الذكاء العاطفي في إدارة المخاطر، أدوات لا نظير لها لممارسة الإدارة، في حين يغلب على الذكور طابع نصف استجابة للأزمة، وقلة الاستماع إلى الآخرين، والاستبداد بالرأي، وعدم الاعتراف بالخطأ، ولوم الآخرين، حتى بعد أن يقع الفأس في الرأس! واللبيب بالإشارة يفهم.

**

"من استبدَّ برأيه هلك" - حكمة منسوبة للإمام علي بن أبي طالب

 

تعليق عبر الفيس بوك