الذين ينامون بيننا!

 

 

سلطان بن سليمان العبري

Sultan12444@gmail.com

ظلَّت كاميرا الفضائية الألمانية تُراقبها لأكثر من شهر، وهي تقدِّم أوراق اعتمادها في "لاسا" عاصمة إقليم التبت الصيني لتقوم بدور "بيبي سيتر" (خادمة الأطفال)؛ فالألمان لا يثقون بسهولة، ولا يدخل بيتهم غريب إلا في حالات طارئة؛ ومنها: عمل الزوجين لساعات طويلة، ووجود طفل أو أب وجد مريض مثلا.. المهم، الكاميرا كانت تراقبها وهي تأكل وتشرب وتسير بالشارع، وبالطبع كان عليها تعلُّم اللغة الألمانية قبل أن تحضر لبرلين!!

بصورة غريبة أمسكتْ شيخة الهاتف، وطلبتْ إلى شغالتها سونام أن تحضر بسرعة للطابق الأعلى، وهذا ما فعلته، لتجد شيخة تطلب منها أن تناولها ريشة الألوان التي ترسم بها والتي سقطت على الأرض.

إنْ ما يحدث في ألمانيا وأوروبا بشكل عام وحتى أمريكا يخضع لقوانين صارمة جدا، وتزيد المراقبة بعد حضور الخدم للمنازل وهو أمر مكروه جداً ويتم في نطاق محصور جداً.

وعلى العكس تماماً، نفتح في الخليج عموما والسلطنة خصوصاً بيوتنا -على الغارب- أحيانا لوافدين آسيويين، نسعد كثيراً إن ردوا علينا السلام وعرفوا بضع كلمات. في الحقيقة، هم يعلموننا ما يريدون، هكذا أكتشف في كل مرة أرد فيها أصل الكلمات التي أسمعها لجذرها الثلاثي، وأكتشف أنه لا جذر أساساً لكثير مما أسمع.

وقبل الخوض في بعض الأرقام المخيفة لأعداد العمال، علينا التذكير بأمر مهم، وأن أجدادنا "الحبوه" لم يكن لديهم خدم وحشم، وأن غالبيتهم كانوا يعتمدون على قوة أذرعتهم للحصول على حاجياتهم، يكدون ويتعبون، وكنا نراهم أصحاب همم عالية، في حين أسرَّ لي بعض المدربين أن كثيراً من شبابنا الداخل للحياة العسكرية المفترض أنها حياة نظم صارمة واستيقاظ مبكر ونشاط خارق، يتذمر ولا يريد أن يصحو باكراً، ولا أن يرتب حاجياته الأساسية كسرير نومه!

لهذه الدرجة وصلنا، غالباً الجواب وبكل أسف نعم، لقد زاد البترول من رفاهية الشعوب الخليجية عامة، لكنه أفقد شبابها الهمة والعزيمة، والمؤسف كل الأسف أن قلة من الخليجيين لم يفكروا في مرحلة ما بعد النفط، لا بل إن فيروس صغير مثل كورونا "كوفيد 19" أعادنا للتفكير إلى نقطة الصفر؛ حيث بات علينا التفكير في التخلص من العمالة الوافدة التي اتَّضح أنها الناقل الأهم والأكثر انتشاراً لنقل هذا الفيروس، وحتما سيتم التخلص من العمالة خارج المنازل، هذا على المستوى الحكومي. أما على المستوى الشعبي، فلا أعلم مدى إمكانية أن تقوم العمانية بخدمة بيتها بنفسها بدون "شغالة"، وأعتقد جازماً أن ذلك مفيد بل وواجب؛ فالتفكير في تنشئة الصغار من قبل الأم قد يعفينا من مغبة سماع أولادنا يتعلمون ويتثقفون وربما يصبح سلوكهم سلوك ما يتعلمونه من الخدم والحشم.

وواضح وجلي أن العمالة الوافدة تعتبر مكوِّنًا أساسيًّا وضرورياً لدول الخليج العربي من ناحية التجربة الوطنية في الوقت الراهن؛ عصر "التنوير النفطي" وما تبعها من ثقافة النفط والخمول والترف والتباهي، حيث تشكل العمالة الوافدة أغلبية القوى العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي -وذلك كما يشير تقرير نشر في أخبار الخليج البحرينية- فضلا عن كونها تشكل أغلبية سكان أربع دول؛ هي: الإمارات والبحرين والكويت وقطر. ولهذا ما أظهرته البيانات الحديثة والرسمية أن ثلثي العمالة الوافدة في دول المجلس تشكل بنسبة 69.3% من العمالة الأجنبية بشكل كلي، أي بتقديرات حوالي 17 مليون عامل.

وفي العام 2016م، كشف المركز الإحصائي لدول الخليج العربي أن إجمالي عدد القوى العاملة في المجلس بلغ حوالي 20 مليون عامل، وبلغ عدد العمالة الوافدة من تلك القوى العاملة حوالي 13.86 مليون عامل، ليرتفع العدد قرابة 24 مليوناً بعد إضافة أفراد الأسر، هذا يعني أن العمالة الوافدة تشكل حوالي نصف سكان الخليج العربي والبالغ عددهم تقريباً 50 مليوناً نسمة، رغم أن هذه الإحصائية لا تشمل دولة الامارات العربية المتحدة. كما أظهرت بيانات المركز أنه في منتصف السبعينيات بدأت حركة الهجرة العمالة الوافدة لدول المجلس وبلغ عددها تقريباً 1.1 مليون عامل، ليرتفع عددها في الثمانينات الى 2.9 مليون.

وتستقطب السلطنة نحو 30%؛ وبهذا تتصدَّر الدول الخليجية، العالم من حيث نسبة وجود العمالة الأجنبية على أرضها. وفي تقريرها للعام 2018، سعت "إكسبات إنسايدر" إلى فحص النتائج المتعلقة ببلدان مجلس التعاون الخليجي، من خلال قيامها بتحليل الخصائص المشتركة بينها، ومعرفة نقاط الاختلاف، ومقارنتها مع بقية دول العالم؛ من أجل توسيع نطاق فهم تجربة المغتربين في الخليج، وتقديم بعض الأفكار حول العلاقة بين التطورات السياسية وخبرات المغتربين في جميع أنحاء العالم. وكشفت عن الوجهات الجاذبة للعمالة في أوروبا وأمريكا الشمالية، فكانت السويد من بين أكبر الدول التي سجلت انخفاضاً هذا العام مقارنة بمؤشر 2017. حيث تراجعت 24 مركزا لتأتي في المرتبة 46، وينطبق الأمر نفسه على وجهات أخرى؛ مثل: بريطانيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا، والتي شهدت انخفاضاً كبيراً في مؤشرات مثل، (جودة الحياة وسهولة الاستقرار والتمويل الشخصي). وهو ما ينطوي على نتيجة صادمة للعديد من الدول التي تعتبر نفسها منفتحة ومتطورة بشكل كبير.

وتُقرأ تلك الصرامة على أنها عداء متزايد تجاه المهاجرين في المجتمعات الأوروبية والأمريكية، وهذا ما أدى لتزايد حدة النزعة الشعبية والقومية اليمينية إلى زيادة الخطاب السياسي المعادي تجاه الأجانب، وتزامن ذلك مع زيادة التضخم في الأسواق، وزيادة تكاليف المعيشة في الأعوام الأخيرة؛ وقد ولدت تلك الظواهر مجتمعة من أوروبا وأمريكا الشمالية مناطق أقل جاذبية للعيش بها.

وكشفت الدراسة فيما يتعلق بدول الخليج أنها حققت نتائج متقدمة في تصنيف السلامة والأمن لتحتل أعلى ووسط الترتيب، لتتراوح ما بين المركزين 9 و10، لتأتي كل من الإمارات وسلطنة عمان ما بين المركز 52 و53، وتسعى تلك الدول لتحقيق أداء مرموق فيما يتعلق بالصحة والتعليم والرفاهية، والملفت أنه جاءت دولة البحرين في المرتبة 25 على المستوى الأداء عالميا وليس خليجيا، وحصلت أيضاً على المركز الأول بشكل عام للسنة الثانية على التوالي، بعد أن احتلت المرتبة الأولى في كل التصنيفات، حيث سجلت درجات عالية في كلٍّ من: الحياة الأسرية (المركز 7)، وجودة الحياة (20)، والتمويل الشخصي (22)، وجودة المعيشة (25).

وطبقا لتقرير صحيفة "الخليج"، فيمكن رؤية اتجاهات عالية من الارتياح تسود سلطنة عُمان والإمارات، حيث سجلا 79 و75% على التوالي، ولا تزال البحرين وسلطنة عُمان تحققان مرتبتين عند 22 و24 على التوالي، رغم كونهما لم يشهد تطورًا سريعاً وملموساً بالنسبة للعائدات النفطية بالمستوى الذي يحققه شركاؤهم في دول المجلس، وهو ما يجعل العيش في مسقط أو المنامة أرخص نوعاً ما من العيش في أبو ظبي أو الدوحة أو الرياض. والثاني: هو "الأبعاد الثقافية والاجتماعية"؛ ففي سلطنة عُمان والإمارات العربية المتحدة والبحرين، وبتحديد "دبي وأبوظبي"، أصبحت الحياة العامة فيها أكثر ديناميكية، وتتميز بالتعدد الديني والثقافي على حدٍّ سواء؛ وذلك بالمقارنة بشركائها داخل دول المجلس، التي توجد قيود ثقافية لديها تقف عائقا أمام الإطار القانوني المحيط بالتشريعات والممارسات الدينية. ووفقًا للمؤشر، احتلت البحرين المركز الأول من حيث سهولة الحياة بها، تليها عمان في المرتبة 16، والإمارات في المرتبة 26. وعلى وجه التحديد، 81% من العمالة الوافدة عالميًا تجد أنه من السهل الاستقرار في البحرين، بينما وصلت النسبة ذاتها إلى 59% في كل من سلطنة عمان والإمارات.

ويتوقَّع أن تتغير كل هذه الارقام والمعطيات بعدما تهدأ عاصفة "كوفيد 19" وتستقر الأمور، ولا نعلم حقيقة هل ستكون العائلات العمانية في منأى عن خطر الشغالات والخدم في المنازل، أم أننا نحتاج لأكثر من هزة لا سمح الله كي نتخلص منهم ونربي أولادنا بأنفسنا ونزرع بذارنا بأيدينا.

تعليق عبر الفيس بوك