تأكيدات على ضرورة توفير مزيد من الدعم السياسي للتعافي من الجائحة

الاقتصاد الصيني ينتعش بعد ركود حاد.. والطلب الخارجي "مربط الفرس"

ترجمة - رنا عبدالحكيم

قالَ تقريرٌ للمنتدى الاقتصادي العالمي إنَّ الاقتصادَ الصينيَّ عاود النمو في الربع الثاني من العام، بعد ركود عميق سجَّله مطلع 2020، لكن الضعف غير المتوقع في الاستهلاك المحلي أكد الحاجة إلى مزيد من الدعم السياسي لدعم التعافي بعد صدمة أزمة فيروس كورونا.

وتراجعتْ أسواق الأسهم الآسيوية واليوان الصيني، وهو ما يعكس جزئيًّا التحديات الكبيرة التي تواجه ثاني أكبر اقتصاد في العالم؛ حيث يصارع الضربة المزدوجة للوباء والتوترات المتزايدة مع الولايات المتحدة بشأن التجارة والتكنولوجيا والمخاطر الجيوسياسية.

وقال المكتبُ الوطنيُّ للإحصاء في الصين إنَّ الناتج المحلي الإجمالي ارتفع بنسبة 3.2% في الربع الثاني، وهو أسرع من توقعات المحللين بنسبة 2.5% في استطلاع لوكالة رويترز؛ حيث انتهت إجراءات الإغلاق وزادت الحكومة من جهود التحفيز لمكافحة التراجع الناجم عن الفيروس. ورغم ذلك، لا تزال عودة النمو هي الأضعف على الإطلاق، إذ تأتي في اعقاب هبوط حاد بنسبة 6.8% في الربع الأول، وهو أسوأ تراجع منذ بداية التسعينات على الأقل.

وقالتْ بيتي وانج كبير الاقتصاديين الصينيين في بنك "إيه.إن.زد": كما أوضحنا سابقًا، لا تزال هناك حاجة إلى دعم السياسات على الرغم من استعادة زخم النمو. وأضافت: "إمكانية عودة ظهور حالات كوفيد 19 محليًّا، وعدم اليقين الاقتصادي العالمي وتدهور علاقة الصين والولايات المتحدة، كلها عوامل تشكل مخاطر سلبية على توقعات النمو في النصف الثاني للصين".

وانعكستْ هذه المخاطر جزئيًّا على بيانات التجزئة المنفصلة التي أظهرت أن المستهلكين الصينيين أبقوا محافظهم مغلقة بإحكام، مشيرة إلى التوقعات القاتمة في الداخل والخارج؛ حيث تستمر العديد من البلدان في التصدي لوباء كوفيد- 19، وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي يتزايد فيها معدل الإصابة على نحو خطير.

وعلى الرَّغم من أنَّ مؤشرات يونيو وأرقام الناتج المحلي الإجمالي تجاوزت التوقعات إلى حد كبير، إلا أن رودريجو كاتريل إستراتيجي العملات الأجنبية في NAB في سيدني بأستراليا، قال إن تلك المؤشرات كشفت "أن المستهلك الصيني لا يزال بعيدا عن الشعور بالانتعاش". وأضاف "إنه انتعاش إلى حد كبير يقوده التحفيز الحكومي، حيث تركز الدولة بشكل كبير على الجانب الصناعي. لكن يبقى المستهلك حذرا للغاية. وهذا الحذر هو أمر تنظر إليه السوق من حيث البلدان التي يلعب فيها المستهلك دورًا أكبر؛ لذا من الواضح أن هذا مرتبط بالولايات المتحدة أيضًا".

وانخفضت مبيعات التجزئة بنسبة 1.8% على أساس سنوي في يونيو، وهو الشهر الخامس على التوالي من الانخفاض وأسوأ بكثير من النمو المتوقع بنسبة 0.3% بعد تراجع بنسبة 2.8% في مايو. وكانت خسارة الوظائف المحلية أحد أبرز المخاوف بالنسبة للمستهلكين؛ حيث عانت العديد من الشركات من أجل البقاء في وضع النجاة.

وحذرت واندا فيلم، على سبيل المثال، أكبر مشغل لدور السينما في الصين وتملك أكثر من 600 دار عرض سينمائية، من خسارة صافية في النصف الأول من 1.5 إلى 1.6 مليار يوان (170.4 إلى 181.6 مليون جنيه إسترليني)، بعد أن أبقى الفيروس التاجي دور السينما مغلقة الفترة كلها تقريبًا.

التوترات الأمريكية والقضايا الهيكلية

وفي النصف الأول من العام، انكمشَ الاقتصادُ الصينيُّ بنسبة 1.6% عن العام السابق؛ مما يؤكد التأثير الكاسح للفيروس الذي ظهر لأول مرة في الصين أواخر العام الماضي وقتل أكثر من 583000 شخص في جميع أنحاء العالم. وأضافت التوترات المتزايدة مع الولايات المتحدة والوباء إلى القضايا الهيكلية التي تواجهها الصين منذ سنوات؛ بما في ذلك التغيرات الديموغرافية، والاستثمار المفرط، وانخفاض الإنتاجية الصناعية وارتفاع مستويات الديون.

وعلى أساس ربع سنوي، قفز الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 11.5% في الربع الثاني، مقارنة مع التوقعات بارتفاع 9.6% وانخفاض بنسبة 10% في الربع السابق. ومن المتوقع أنْ تقدِّم الحكومة مزيدًا من الدعم، إضافة إلى مجموعة من الإجراءات التي تمَّ الإعلان عنها بالفعل، بما في ذلك تعزيز الإنفاق المالي، وتخفيف الضرائب، وخفض معدلات الإقراض ومتطلبات احتياطي البنوك.

لكنَّ المخاوف بشأن الديون أبقت على قيود التحفيز الصيني، وكشف النقاب عن صافي التحفيز المالي بحيث بلغ هذا العام ما يزيد قليلاً عن 4 تريليونات يوان (571.76 مليار دولار)، وهو مقيد كثيرًا مقارنة بالإنفاق الهائل في الاقتصادات الرئيسية الأخرى بما في ذلك الولايات المتحدة واليابان.

ويُقدِّر معهد التمويل الدولي أن إجمالي دين الصين ارتفع إلى 317% من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من عام 2020، مرتفعًا من 300% في أواخر عام 2019، وهي أكبر زيادة ربع سنوية مسجلة.

وأظهرت البيانات أن القطاع الصناعي قدم بعض الأمل في الوقت الذي تحاول فيه الصين استعادة مكانتها؛ حيث ارتفع الإنتاج في القطاع الشاسع بنسبة 4.8% في يونيو مقارنة بالعام السابق، للشهر الثالث على التوالي من النمو؛ حيث تسارع من ارتفاع بنسبة 4.4% بشهر مايو.

وقال أوشيماسا ماروياما كبير الاقتصاديين في السوق لدى "إس.إم.بي.سي نيكو للأوراق المالية" في طوكيو: إنَّ من شأن الطلب المحلي أن يعزز التعافي الصيني، لكن الطلب الخارجي قد يشكل خطرًا على توقعات النمو بالنظر إلى إمكانية حدوث موجة ثانية كبيرة من عدوى كورونا.

تعليق عبر الفيس بوك