ماذا بعد استعادة الواجهة البحرية لمطرح؟

 

د. عبدالله باحجاج

جاء خبر هذه الاستعادة عبر سحب المشروع من شركة داماك الإماراتية، ليفتح ملف استعادة الأراضي التي سلمت لمستثمرين في الداخل والخارج في ظروف غامضة بشهادة أحدهم عندما صرَّح لإعلام بلاده "أخذت أرضاً من عُمان ببلاش"، وأية أرض إنها تقع على أجمل شواطئ محافظة ظفار على بحر العرب، ومساحتها 15 مليون متر مربع، أكثر من ثمانية كيلومترات، إنها حلم كل مستثمر، ولا تقدر قيمتها بثمن، فكيف تسلم ببلاش؟ ومن وراءها؟

وكذلك مدينة العرفان الاستراتيجية التي تقع في قلب مسقط وبجانب المطار، وسلمت لمُستثمر خليجي، ويمكن أن تصبح مركزًا للمدينة، وتقدر مساحتها بحوالي 5 ملايين متر مربع، وقدر لنا خبير مطلع قيمتها بملياري ريال عُماني على الأقل، فكم استفادت الدولة من هذا المشروع؟ وكيف بين ليلة وضحاها وقعت الاتفاقية دون أن تعرض في مُزايدة دولية؟

استعادتنا للواجهة البحرية لمطرح، تفتح كل الملفات من منظور مجمع عليه الآن، وهو أن الأرض ثروات وطنية، وهي مهدورة، وإن أرضنا بمثل تلكم المقومات الاستراتيجية لا تقدر بثمن، فكيف فرطنا بها؟ ولو استغلت كما يجب لما لجأنا إلى السياسات المالية التي تشدد الخناق على المواطنين، كالتقاعد الإجباري والمفاجئ وفرض الضرائب ورفع الدعم.. ولما وصلت قضية الباحثين إلى منحناها الخطير.

ولو تمَّ استغلال ثرواتنا الوطنية المتعددة والمتنوعة، لن تحدث لنا إشكالية في استيعاب تعداد سكاننا من المواطنين، ونحن لم نصل لثلاثة ملايين نسمة، والتفريط في الأراضي بأي من صوره المُختلفة وحتى لو تلونت بالصبغة القانونية، هي التي تنتج التداعيات الراهنة، والمستقبلية أخطر بكثير، لذلك ينبغي أن تفتح هذه الملفات ليس من منظور الاستعادة فحسب، بل ومن منظور المساءلة والمحاسبة، فقد نكتشف أسراراً مثلما كشف عنها في يونيو 2019 سعادة سلطان بن ماجد العبري عضو مجلس الشورى السابق في بيانه العاجل عن خلفيات مهمة عن عقد الشراكة مع داماك.

وهذه إمكانية متاحة الآن، بعد أن وجدنا في سحب مشروع الواجهة البحرية لمطرح، إرادة سلطانية في تصحيح الخطأ، وننظر إليها- أي الإرادة- على أنها تعبر عن التوجهات الجديدة للنهضة المتجددة، وهي مؤشر نراهن عليه كذلك في تحريك ملفات سياحية أخرى أصابها الجمود لعقود، ووقفت حائلاً دون إحداث النقلة السياحية المأمولة، لو حدثت لفككت الكثير من الاحتقانات الاجتماعية والاقتصادية، وعلى رأسها قضية الباحثين عن عمل.

ومن بين هذه الملفات، ملف تطوير الحافة وواجهتها البحرية، فلماذا يتجمد حتى الآن؟ وكذلك ملف استحواذ لوبيات على أراضٍ سياحية في مواقع استراتيجية دون تنميتها حتى الآن، مثل افتلقوت، والرهان على هذه الإرادة كذلك في الخروج من أسلوب إقامة المشاريع الفردية المتوزعة هناك وهناك بين ولايات السلطنة، والعمل وفق منهج الشمولية والتكاملية داخل كل محافظة من محافظات البلاد التي سيعتمد عليها في جعل قطاع السياحة مصدرا من مصادر الدخل المُستدامة.

فالتوجه نحو إقامة فندق في ظفار، ومشروع آخر في مسندم أو في قريات أو رأس الحد مثلاً رغم أهميتها والحاجة إليها، لكنها لن تحدث الفارق في التحول، وإحداثه في حقبتنا السياسية الجديدة، هو من بين الأهداف الاستراتيجية التي ينبغي العمل عليها "فكرا وتخطيطا وتنفيذا" ويكون شغل الدولة الشاغل، وهذا لن يتأتى إلا عن طريق تفعيل المؤسسة التخطيطية وتحديثها بفاعلين مؤهلين لهذا النوع من الأهداف التي تصنع المستقبل المعاصر للنهضة العُمانية المتجددة.

عندئذ، فإنَّ الخطوة العاجلة في إحداث النقلة النوعية والكمية المنشودة، تكمن في تحديد الأولويات السياحية لكل محافظة من محافظات البلاد، ومن ثم العمل وفق خارطة سياحية إقليمية على تنفيذ حزمة سياحية متكاملة داخل كل محافظة، ومنها سنحدث الفارق وسيحس به البشر والحجر والأرض.. وسينعكس إيجابًا على ميزانية الدولة وعلى البطالة وعلى تحسين مستويات معيشة المجتمعات المحلية، وسيكون كل مجتمع منشغلاً بالمستقبل من منظور حرص الكل أن يكونوا جزءا من إعادة تدوير المنافع الاقتصادية الجديدة والاستفادة منها، وسنُراهن هنا على وعي المجتمع في الانصهار في مثل هذه التحولات على عكس مرحلة السبعينيات التي انحصرت الاستفادة منها على القلة الذين استفردوا بالوعي وانتفعوا من السلطة كونهم أصحبوا جزءا منها أو بالقرب منها أو من ضمن منظومة الانتفاع.

وحتى نقرب الصورة للفهم العام وذلك لدواعي إحداث النقلة النوعية والكمية التي تعم الكل "الدولة والمجتمع"، فلنتصور لو عرفت تلكم المشاريع المشار إليها في ظفار النور، فمن المؤكد أنها ستنقلها تلك النقلة التي تحدثنا عنها، وتدمج الفرد والجماعات فيها، واضفنا إليها تطوير دربات وإقامة حدائق متنوعة على مياهها التي تذهب للبحر دائمًا، وكذلك تطوير المغسيل وافتلقوت والأخوار المهملة وإقامة مناطق سياحية أو مدن عليها، فكيف لو صاحبها في وقت واحد وبصورة متزامنة المحافظة على الأحياء والبيوت القديمة، ولنا تصور الفارق الذي ستحدثه هذه المشاريع بل حتى نصفها؟

وظفار كنموذج، يمكن أن يكون في كل محافظة من محافظات البلاد حسب أهميتها السياحية النسبية، ولا نعتقد أنه سيكون لدينا مشكلة في جذب الاستثمارات إليها من الداخل والخارج في ظل برجماتية وجدية السلطة السياسية الجديدة، فلدينا الآن جهاز استثمار قوي، يُدير أدوات الدولة الاستثمارية المختلفة، وتتوفر له السيولة المالية، ويمكن أن يوجهها للداخل المضمون بفرصه الاستثمارية وعوائدها الواعدة، ولدينا كذلك مقومات جذب مُغرية، كالسياحية المتنوعة والبيئة الآمنة والمستقرة سياسيا وأمنيا، فما علينا سوى اختيار المستثمر الآمن الذي جل همه الربح وليس السياسة.

الثروات المهدورة كثيرة ومتعددة منها ما هو محسوس ومنها تتم بصيغ واحتيالات عديدة، لذلك، فإنَّ علمية إصلاح الأخطاء وتصويب المسارات لا ينبغي أن تقفز فوق المساءلة والمحاسبة، فلابد من معرفة الأسباب التي تقف وراء تعثر المشاريع، لأنها عطلت التنمية في البلاد، ووضعت البلاد في منحنيات حادة في كثير من القضايا؟ وكذلك معرفة الأسباب التي تقف وراء منح ثروات بلادنا ببلاش للمستثمرين والتوقيع على اتفاقيات سياحية دون مناقصات أو الإصرار على منح مشاريع سياحية لمستثمرين من محيط جيواستراتيجي مُثير للجدل، ومقالنا المقبل سيكون حول المساءلة والمحاسبة وشرعيتها السياسية والاجتماعية التي تتقاطع معها الظرفية المالية المعقدة للدولة.