الإغلاق الشامل أو المجهول!

حاتم الطائي

ضرورة تطبيق الإغلاق الشامل والصارم قبل وأثناء وبعد فترة عيد الأضحى

استراتيجية المجابهة تتضمن التوسع في الفحوصات وسرعة إظهار النتائج

الالتزام بالكمامات والتباعد الجسدي والفحص المستمر لكبح جماح الفيروس

أيامٌ قليلةٌ تفصلنا عن إكمال 5 أشهر منذ تفشي وباء كورونا "كوفيد- 19" في السلطنة، وخلال تلك الفترة شهد منحنى الإصابات والوفيات جراء المرض تذبذبات عديدة، لكن المؤكد أنَّه بدءًا من نهاية مايو وخلال يُونيو الماضي ويوليو الجاري، أخذ مؤشر الإصابات والوفيات منحىً تصاعديًا خطيرًا للغاية، يُهدد منظومة الرعاية الصحية ويُفاقم الضغوط على الكوادر الطبية والطاقة الاستيعابية للمستشفيات والمراكز الصحية، ومن ثمَّ وَجبَ علينا جميعًا أن نتوقف أمام ما تمَّ اتخاذه من إجراءات خلال المرحلة الماضية وما يتعين أن يُتخذ في الفترة المُقبلة.

بداية الجائحة شهدت قراراً حاسماً ومبكراً من حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- حيث تفضَّل جلالته وأصدر أوامر سامية بإنشاء لجنة عُليا مُكلفة ببحث آليات التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار كورونا، ومن ثمَّ توالت الإجراءات والقرارات المُختلفة التي أعلنت عنها اللجنة، وتمَّ تنفيذها بكفاءة واضحة. لكن مع مُرور الوقت، بدا في بعض الأحيان أنَّ التطبيق الشامل للقرارات والإجراءات لم يكن محل تنفيذ من الجميع. ولذا كانت النتيجة الواقع الذي نعيش فيه الآن، ارتفاع شديد في حالات الإصابة بالمرض، وزيادة معدلات الوفيات بين المُصابين، وضغط غير مسبوق على غرف العناية المُركزة بصورة لم يُسجلها التاريخ الطبي في السلطنة على الإطلاق، علاوة على تراخي بعض الجهات المعنية في التطبيق المشدد للقرارات والإجراءات.

لذلك فإنَّ تطبيق الإغلاق الشامل والصارم خلال الأسابيع القليلة المُقبلة التي تسبق عيد الأضحى المُبارك وما يليه، سيكون أمراً حاسماً للغاية في احتواء تفشي هذا الفيروس سريع الانتشار، ولا يجب أن يتوقف الأمر عند الإغلاق وحسب، بل التَّشدد في حركة الأفراد، بحيث يتم تطبيق المعنى الحرفي للعبارة التي تتردد في كل خبر "عدم الخروج من المنزل إلا للضرورة القصوى"، ويجب أن يكون هذا الإغلاق إلزاميًا للجميع، علاوة على التطبيق الإلزامي للكمامات، في كل المواقع، وعدم التهاون في ذلك.

ومن هنا نطرح 4 خطوات استراتيجية شاملة لا غنى عنها لمُجابهة واحتواء انتشار كورونا:

أولاً: الإغلاق الحتمي والفوري لكل المُحافظات، وخاصة التي سجلت أعدادًا كبيرة في الإصابات؛ حيث إنَّ السماح بحرية الحركة في بؤر تفشي الوباء هذه يُنذر بمخاطر لن نستطيع تحملها أو مُواجهتها.

ثانيًا: تطبيق الفحص المُوسع للأفراد، وخاصة في الولايات ذات الكثافة العالية، فعُمان هي الدولة الأقل عدداً في إجراء الفحوصات نسبة إلى عدد السكان، فضلاً عن أنَّ أعداد الإصابات المُعلن عنها هي فقط تلك التي تمَّ تسجيلها لدى وزارة الصحة، لكن هناك المئات وربما الآلاف من الحالات غير المعروفة، والتي لم تذهب لإجراء الفحص أو التأكد من الإصابة، فضلاً عن حالات "العدوى الصامتة"، والتي أكدتها الأبحاث العلمية. إلى جانب تقليص الفترة الزمنية التي يستغرقها الفحص، فلا يُعقل أن يعرف المصاب نتيجة الفحص بعد 7 أيام من إجرائه!

ثالثاً: العزل التام للمُصابين والمشتبه في إصابتهم بمرض "كوفيد- 19"، ولا يجب أن نترك للمريض حرية اختيار مكان العزل، فمُعظم المرضى فضلوا العزل المنزلي، وخاصة العمانيين، لكن الأمر يبدو أنَّه خرج عن السيطرة، فتسبب المصاب في نقل العدوى لأهل بيته وكل من يخلتط بهم.

رابعًا: اتباع نهج الفحوصات الدورية لشهور مُقبلة، وخاصة للفئات الأكثر عرضة للإصابة، مثل الأطقم الصحية، وموظفو المكاتب الأمامية، والمتعاملين مع الجمهور بشكل مُباشر، في المؤسسات الحكومية أو المتاجر الكبرى، أو شركات القطاع الخاص، مثل المحصلين، وعاملي طلبات المنازل، وغيرهم.

ولا شك أنَّ إغفال هذه الاستراتيجية يُهددنا بتكبد خسائر أكثر فداحة مما مضى خلال الأشهر الخمس المنصرمة، وهذه الخطوات لا تعني مطلقًا الإضرار بالاقتصاد، بل إنِّها ستسرع من وتيرة تعافيه، فما الفائدة من منظومة اقتصادية في ظروف وبائية، بل الأفضل أن تنطلق هذه المنظومة والمُجتمع والدولة قد تعافيا من الآثار الصحية للوباء أولاً، ومن ثمَّ تجري المُعالجات الاقتصادية، والتي في مُجملها ستعتمد بشكل رئيسي على ما ستوفره الحكومة من تسهيلات وحوافز مالية وائتمانية.

ويبقى القول.. إنَّ تبني وإعلان استراتيجة متكاملة وواضحة المعالم والأهداف، يُساعدنا بصورة كبيرة في تخطي الوضع الحرج الذي نمر به الآن، واستراتيجية الإغلاق التام الشاملة والمدروسة بعناية ستكون الأنجع والأنجح، ويُمكننا أن نستفيد من تجارب الدول التي تمكنت من محاصرة الوباء، مثل التجربة الأردنية، التي أثبتت كفاءتها ونجاحها، واليوم يُسجل الأردن صفر إصابات. وتطبيق هذه الاستراتيجية الشاملة سيُجنبنا المزيد من الضبابية وعدم اليقين الذي قد يقودنا إلى مجهول لا نعلمه، وحينئذٍ لن نستطيع مُواجهة التداعيات الصحية ولا مُعالجة الاختلالات الاقتصادية!