إدارة المهارات وقت الأزمات

 

 

فاطمة عبدالله خليل

 

 كشفت الظروف الراهنة التي يمر بها العالم حجم الزيف في معتقدات كثيرة تبنيناها لسنوات طوال في مسيرة حياتنا، وتؤكد على ضرورة مراجعة أفكارنا ومعتقداتنا ونسف كثير منها وإحلال أخرى أكثر نفعاً، ومن بين تلك الأمور التي بات علينا لزاماً الالتفات لها تلك المتعلقة بالجوانب المالية.  لاشك أن العالم –أو لنقل أغلب دوله- يُواجه أزمة اقتصادية كبرى، وانعكس ذلك أيضاً على كثير من الأنشطة الصغيرة الفردية التي كانت تشكل مصدر الدخل الرئيسي لكثير من النَّاس.

قبل سنوات كان ينظر موظفو القطاعين الحكومي والخاص لأصحاب الأعمال الخاصة من ذوي المهارات المُميزة على أنهم الأقدر على تحقيق أرباح مالية أكبر مع الحفاظ على مرونة زمنية عالية بحيث إنهم غير مملوكين لمؤسسات ولا محكومين لأوقات عمل محددة ملزمة.  يقاس على ذلك كثير من أصحاب المهارات مثل مصممي الأزياء وأخصائيي التجميل وبعض مهندسي الكمبيوتر العاملين لحساباتهم الشخصية والمدربين في مجالات مختلفة على نحو مستقل وغيرهم كثير.  ولكن أزمة كورونا نفضت الغبار عن حقيقة لم ننتبه لها لسنوات مفادها ضرورة البحث عن مصادر دخل متعددة وعدم الاكتفاء بوظيفة واحدة وحسب.  ولكن هذا وحده لا يكفي أيضاً.!!

أعرف كثيراً من الناس يمارسون أنشطة مختلفة وتحقق أرباحاً من قنوات دخل متعددة، ولكنها في النهاية ترتكز على مهارة واحدة فقط، فالنجار مثلاً، يمكنه أن يعمل في ورشة أحدهم ليتقاضى أجراً ثابتاً، ثم في وقته الخاص يصنع المسارح والمنصات لشركة علاقات عامة وتنظيم فعاليات، ويبتكر تصاميم جديدة من الطاولات والكراسي لقطاع المطاعم، ويصمم المكاتب الذكية للشركات الخاصة. ذلك النجار رغم تعدد مصادر دخله إلاّ أنه ما زال مهدداً بزوال كل تلك الأشياء إذا ما تعرض لحادثة عمل مثلاً تتسبب بقطع بعض أصابعه أو تعيق يده عن الحركة.!!  وهناك أخصائيو التجميل مثلاً الذين شلّت أعمالهم هم الآخرين مع صعود موجة كورونا واتخاذ الإجراءات والتدابير الاحترازية لضمان عدم انتشاره، وكان أول تلك التدابير التباعد الاجتماعي الذي لا يمكن تطبيقه مع أخصائيي المكياج مثلاً فكان منع مزاولة المهنة وقطع مصادر دخل كانت على مستوى عالٍ من التدفق في وقت سابق. وقس عليهما بقية المهن والأنشطة التي تعتمد على مهارة واحدة رغم تعدد مصادر الدخل، ما يستوجب البحث عن مهارات متعددة والعمل على فتح قنوات دخل مختلفة عبر كل واحدة منها.

يشار إلى أن هذا الزمان، هو زمن المهارات لا زمن الشهادات، ولكن علينا أن ننتبه أيضاً إلى المهارات التي يحتاجها السوق، والتي من شأنها أن تجعل له قيمة حقيقية قد تختلف عمّا نمتلك إلاّ إذا طوعناها بما يتناسب مع ضرورات العصر وتلبية حاجات الناس.  ولكن لضمان نجاح ذلك كله، علينا ألاّ نتحرك في خطوط ومسارات عشوائية بحثاً عن أي مهارة تصادفنا، بقدر ما علينا العودة إلى أنفسنا من جديد والوقوف على قيمنا العليا وترتيبها في سُلّم الأولويات، ومن ثمَّ تغذيتها من خلال التدريب والصقل المتواصل لنكون جاهزين لتوظيفها في حياتنا واستثمارها استثماراً أمثل.

تعليق عبر الفيس بوك