فاطمة الحارثية
- لا عزيزتي، قد لا يكون قصُورا أو إخفاقا، فرُبما مستوى النضج لديها أقل منك؛ لذلك لم تستوعب نُصحَك ولم تستشرف القادم.
- نَعم ربما؛ فهنالك أناسٌ لا يتعلمون إلا بعد وقوعهم في الخطأ؛ لأنَّ ليس لديهم القدرة على التعلم من أخطاء الغير، أو الأخذ بالنصيحة: شكاً، أو تكبراً، ويخالوا أنهم معصومون.
*****
لماذا نسمح للفقد أن يعيد إلينا رُشدنا؟ ونُصرُّ على ممارسة خطيئة الغرور، فالبعض لا يطلب المساعدة حتى لا يُقال أو يُعاب "إن كان عيبا" أنه محتاج، وآخرون لا يقبلون المساعدة حتى لا يُقال إنَّ فلان هو الذي ساعده، نُقِرُّ جميعا بأن ثمة "رياء"، وأيضا نعلم أن ثمة أفعالَ خير لوجه الله، فلماذا التوجُّس والشك؟
يعبُر الناس أبوابًا كثيرة، وتمرُّ عليهم سلسلة من المداخلات عرَّفها العلماء بالتجارب والخبرات، وقد ترسَّخ بعض تلك المداخلات في ذاكرتهم من المرة الأولى، وقد تحتاج إلى تَكرار للأُنسِ بها لدى البعض الآخر؛ وفي الغالب عند كل باب، وبعد أن يتجاوزه العابر نجد أنَّ مفردة "نُضج" ترنُّ على المسامع، لتشكل حيرة بين الاستمرار والكمال، وكأنه أمر قائم على ثقافة مغلقة مختلفة، ورُبما للبيئة العلمية والاجتماعية أثر. إنْ أتى أحدهم بذمٍ بأنَّ ثمة قصورًا في النضج الفكري، وصادف أن سألته: "ما هو تعريفك للنضج الفكري؟"، سوف تجدُ مُتناقضات الكلام في كلِّ ما ينطق، فما بال من يأتي بفلسفة النضج الاجتماعي! إنَّ السلسلة المعتادة كمزاولات شائعة، هي أنْ تقوم جهاتُ الرأي بوضع إستراتيجيات زمنية لبلوغ هدف مُعيَّن؛ من خلال تطبيق سلسلة من القواعد والإجراءات، باستخدام كافة قنوات التواصل الإداري والاجتماعي. وهذا ما حصل، بدأ الوضع بتعريف واضح عن الوباء شمل مستجدات الوضع بكل شفافية وبالبرهان، ثم امتزجت حملات التعريف بالتوعية والإرشاد واتباع الإجراءات المختلفة بطرق الترغيب والتنبيه، وهكذا تتابعت وتدرجت الطرق التقليدية إلى أن وصلت الحال إلى التشديد والحزم، وطرح حلول بديلة مبتكرة، تُسهم في بث روح التعاون والعمل المشترك، وحين الاعتقاد بأنَّ الفهم والنضج بلغ أشده وحكم الوعي الموقف، تم إرخاء الشدة وإعطاء الثقة، لتحدُث الصدمة.
إنَّ حجمَ الأزمة في ازدياد، وكأننا في حالِ سُعار، نخذل فيها مساعي وحكمة حكومتنا في أنَّها أعطتنا الثقة، بعد أنْ بذلت كل الجهد في نشر التوعية والتثقيف، ووضعت القوانين والضوابط، وطرحت الحلول التقليدية والمبتكرة، وكأننا نضرب سعيها نحو الوقاية من تداعيات الوباء والانهيار الاقتصادي عرض الحائط، إنَّ الساعة لا تحتاج إلى آلاف أو ملايين المقترحات التي يستعرض فيها المدرك ويتشدق بها الطامع للفت الانتباه، كل ما هو مطلوب منا الالتزام، فقط الالتزام، لوقاية أنفسنا وأهلنا من مُنغِّصات الوباء وحماية عُمان من آثار الأزمة.
يُقال "عند الأزمات تظهر معادن الناس"، وأكاد أُجزِم أننا شاهدنا ولامسنا الكثير من المعادن في هذه الفترة بمختلف الأنواع والأشكال والألوان، شركات تنهار تحت وطأة "كوفيد 19"، أسر منهكة، طلاق وفراق، أفراح مؤجلة... وغيرها، وماذا فعلنا في كل هذا؟ رضينا على أنفسنا أن نُزيد من حدة الأمور بدل السيطرة والتخفيف منها، قل لي عزيزي القارئ، ماذا فعلت لعمان أو في عُمان؟ عندما كان الأجانب يُشكلون أزمة انتشار قامت الخطابات والمطالبات بإبعادهم عن أرضنا المضيافة، الآن وبعد أن أخل سند وذراع الحكومة في الحد من تفشي الوباء وهو العماني نفسه الذي بات يُعزز من سُمية هذه الأزمة لتأكل من عماننا الغالية صحتها ومالها، ما قولكم فيه وهو غير قابل للاستبعاد؟!
-------------------------
جسر:
"ليس لأحد أن يُنكر أهمية أن نكون جزءًا من العالم، لكن الأهم هو جوانب تأثيرنا فيه، أننا نُقدم نموذجا حيًّا للعالم في التناغم الذي نظهره بين الحكومة والشعب والبيئة، إننا لا نمثل أنفسنا بأقل قدر من تمثيلنا لعُمان كدولة وشعب، والبذل لا يأتي إلا جماعيًّا مُتحدا خلَّاقا لتكتمل الهُوية والمقام.. لنعمل معًا للحدِّ من هذا الوباء لنا ولعُمان.
نعم لسنا وحدنا، ولكن كنا وما زلنا نرغب في أن نبقى مثالًا يُحتذى، رمزاً سالمًا مباركًا للإنسان والغاية من وجوده. إنَّك مرآة تعكس وعيك وثقافتك، وبالجمع نمثل عُمان الحكمة والسلام".