أطفالنا أكبادنا.. والمجتمع مسؤوليتنا (3)

أنيسة الهوتية

وأيضا المرأة المُطلَّقة والأرملة، يبحثُ عنها هؤلاء الوحوش البشرية، ممن لديهم هذا التوجُّه في الاستمتاع بالنساء غير المكلفات ماديًّا، ويكفي لنيلها حفظ بعض الأدوار السينمائية والسيناريوهات والأغاني؛ لتمثيل دور الحب، والعشق والهيام؛ لأنهنَّ لا يبحثن عن المال بقدر بحثهن عن الحب والرجل الذي يضمننه جداراً يستندن عليه للزمن القادم. وهنا طبعًا لا نشمل جميع تلك الفئة من النساء إنَّما نسبة منهن، واللاتي وإنْ حصل هتك لعرضها لن يدافع عنها أحد أبداً ولن يقف المجتمع بجانبها، ولن يكون ذلك الوحش البشري مجرماً، بل هو مجرد شاب أو رجل وقع في غرامها ثم تركها؛ لأنه أدرك أنَّ وضعه الاجتماعي لن يناسب للارتباط بها، وتلك قصة تتكرر منذ الأزل إلى يومنا هذا، أما هي فتكون المخطئة الوحيدة، وتتحول من المجني عليها إلى الجاني؛ لأنها امرأة وتعدَّت حدود "نسويتها" حين تطلعت للحب في قلب وحش بشري.

ولا ندري لماذا المجتمع يُوجِّه أصابع الاتهام إلى المرأة البالغة في قضايا هتك العرض، بينما هو ذات الإغواء الذي يحدث مع المراهقين والأطفال، إنه مرض أخلاقي يعاني منه بعض أفراد المجتمع، وإن كانوا يظهرون عكس ذلك في ضوء النهار؛ مثل المستذئب الذي يتحوَّل في وقت معين ويرتكب جرائم عدة، ثم يرجع إلى طبيعته وكأنه لم يفعل شيئاً، ولم يحدث منه أي ضرر! وعلاج تلك الآفة الاجتماعية يكون باستئصال هؤلاء المتوحشين وفضحهم حتى يتَّقِيهم الناس، وليس بالتستُّر عليهم. والمتحرش ليس جاهلاً وإلا لما كان منهم متعلمون ومعلمون، وليس فقيراً وإلا لما كان منهم الأغنياء وأصحاب المال والنفوذ، وليس مغويًّا بسبب عدم ستر النساء، وإلا لما كان منهم من يفترس الأطفال والصبيان، وليس محروماً من الزواج وإلا لما كان منهم المتزوج والأب، والكثير من التفاصيل التي ندرك منها أن المتحرش عبد لشهواته القذرة ويكاد يتدنى حتى عن الحيوانات في أفعاله لأن الحيوانات لا تهتك الأعراض.

وسأصرُخ بصَوْت عالٍ يكفينا صمتًا، علينا كمجتمع محاربة هذه الآفة، وألا نصمت خوفاً أو طمعا، فما ارتفعت حصيلة الضحايا والمجرمين إلا بسبب الصمت، والساكت عن الحق شيطان أخرس؛ فالفتاة التي تقبل ببيع جسدها لرجل مقابل وعوده بأنه سيضمن لها وظيفة، أو ترقية، أو زيادة راتب، ستكون سببًا بطمعه في غيرها؛ لأنه إنْ نجا من فعلته الأولى، سيكرر الثانية والثالثة ويستمر، والفتاة التي يتم التحرش بها وتصمُت خوفا من أن تخسر سمعتها أو وظيفتها، أو أيًّا كان ما ستخسره، ستكون سببا في زيادة عدد هؤلاء الوحوش البشرية الذين يظهرون للمجتمع بصورة إنسان والإنسانية براء منهم.

والتحرُّش بالفتاة وهتك عرضها سيشوِّه سُمعتها، واسمها، وتكون عاراً على أهلها، ولربما يتآمرون على قتلها لكي يتخلصوا من ذلك العار إن كان أهلها مُتخلِّفين، ويعيش الوحش البشري مسجونا لعدد من السنين ثم يخرج ليبدأ صفحة جديدة بيضاء بكل بساطة. أما الفتاة التي يحتضنها أهلها ويعالجونها جسديا ونفسيا لتمرَّ من هذه الأزمة وترجع إلى حياتها الطبيعية سترجع امرأة أقوى من ذي قبل، ولكنَّ الصبي الذي يُهتك عرضه سيفقد رجولته! وخسارته هنا تكون أضعاف خسارة الفتاة.

اخلقوا لأبنائكم بيئات إنسانية يعيشون فيها بأمان وطمأنينة، وعلموهم فعل الخير، ولا تنسوا الرقابة المنزلية وتشفير قنوات التلفاز وشبكة الإنترنت، حتى يتربَّى الطفل الصغير في بيئة صحية، ويخرج منها إنسانا صحيًّا بأخلاقه وأفكاره للمجتمع؛ فخيركم خيركم لأهله وللناس.. كما يجب أن تنتبهوا إلى أبنائكم من الوحوش البشرية، يجب أن تنتبهوا أيضا إلى أن لا يكون من أبنائكم وحوش بشرية.