مؤسس "منتدى دافوس" يستقصي تداعيات "أسوأ أزمة"

"كوفيد 19: التحول الكبير".. تحليل مقلق ومفعم بالأمل لعالم ما بعد الجائحة

ترجمة - رنا عبدالحكيم

أحدثتْ الأزمة الناجمة عن تفشِّي جائحة "كوفيد 19" تداعيات اقتصادية هائلة وغير مسبوقة، ممَّا أسهم في اضطراب عالمي خطير ومتقلب من الناحية السياسية والاجتماعية والجيوسياسية، فضلا عن إثارة مخاوف عميقة إزاء البيئة وتوسيع نطاق التكنولوجيا في حياة البشر.

المؤلف.jpg
 

كلُّ ذلك كان محل استقصاء فريد من نوعه في كتاب "كوفيد 19: التحويل الكبير"، الذي ألفه مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي والرئيس التنفيذي له كلاوس شواب، وتييري ماليريت المؤسس المشارك للمقياس الشهري Monthly Barometer؛ حيث يسعيان في هذا الكتاب إلى استكشاف العديد من الجوانب المتعلقة بالأزمة. ويستهدف الكتاب مساعدة القارئ على فهم ما هو قادم؛ من خلال 3 فصول رئيسية، تقدم نظرة بانورامية شاملة للمستقبل. ويقيِّم الفصل الأول تأثير هذا الوباء على خمس فئات رئيسية: العوامل الاقتصادية والمجتمعية والجيوسياسية والبيئية والتكنولوجية. فيما يدرس الفصل الثاني آثار المصطلحات الدقيقة على صناعات وشركات معينة. أما الفصل الثالث فيقدم توقعاته لطبيعة العواقب المحتملة على المستوى الفردي.

وبالفعل، وفي غضون ستة أشهر، أدت جائحة "كوفيد 19" إلى إغراق عالمنا بالكامل -كل منا على حدة- في أصعب الأوقات التي واجهناها منذ أجيال. إنها لحظة حاسمة سنتعامل مع تداعياتها لسنوات، وسوف تتغير أشياء كثيرة إلى الأبد. ولن تنجو أي صناعة أو عمل من تأثير هذه التغييرات. وبات ملايين الشركات يواجهون خطر الزوال، فيما تواجه العديد من الصناعات مستقبلًا غامضًا، والقليل منها سوف يزدهر.

وعلى أساس فردي، بالنسبة للكثيرين، الحياة كما كانوا يعرفون دائمًا أنها تتفكك بسرعة مقلقة، ومع ذلك، فإن الأزمات الحادة تفضل الاستبطان وتعزز إمكانية التحول. ويمكن أن ينشأ عالم جديد، وهنا يتعين علينا أن نتخيله ونعيد رسمه، حسبما يرى المؤلفان.

ويوضح الكتاب أن الطبيعة المفاجئة والعنيفة للصدمة التي يسببها الوباء يمكن أن تجعل حجم هذا التحدي صعبا، ويفسر هذا الانطباع إلى حد كبير، حقيقة أنه في عالم اليوم المترابط على نحو كبير، تفاقم المخاطر بعضها البعض، مثل المخاطر الفردية أو القضايا التي تنطوي على القدرة على إحداث آثار الارتداد عن طريق إثارة الآخرين، مثل البطالة التي من المحتمل أن تغذي الاضطرابات الاجتماعية ونشر الفقر، والهجرة الجماعية غير الطوعية.

ويقول المؤلفان إن السمة المميزة لعالم اليوم هي الاتصال المنهجي، ففي مثل هذا العالم، لا مكان لـ"العمل المنفرد" و"التفكير المنفرد" لأن المخاطر تتلاقى. ولا تتطور جميع القضايا الكلية ذات التأثيرات المباشرة واليومية على مجتمعاتنا والاقتصاد العالمي والسياسة الجغرافية والبيئة والتكنولوجيا في خطوط متوازية، بل متشابكة.

وهذه المخاطر معقدة، وعلى هذا النحو تشترك في سمة أساسية وهي القابلية للخروج عن السيطرة، وبذلك تنتج عواقب وخيمة غالبًا ما تكون مفاجئة وغير مستعدين لها. وأعطانا كوفيد-19 بالفعل نذيرًا لهذه المخاطر.

وإلى حد كبير، ما كان لبعض الأحداث أن تتفاقم لولا الوباء، مثل الارتفاع الحاد والمثير للبطالة (وهو خطر اقتصادي)، والموجة العالمية للاضطرابات الاجتماعية التي أثارتها احتجاجات حركة "حياة السود مهمة" (قضية مجتمعية) والشرخ المتزايد في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة (خطر جيوسياسي).

و"توافق وشدة خطوط الصدع" هذه تعني أن العالم يمر الآن بمنعطف حرج، وأن إمكانية التغيير غير محدودة ومقيدة فقط بخيالنا نحو الأفضل أو الأسوأ. ويمكن للمجتمعات أن تكون أكثر عدالة أو العكس، وموجهة نحو مزيد من التضامن أو مزيد من الفردية، وتفضيل مصالح القلة أو التطلع إلى تلبية احتياجات الكثيرين. يمكن للاقتصادات، عندما تتعافى، أن تتميز بشمولية أكبر وأكثر انسجامًا مع المشاعات العالمية الخاصة بنا، أو في المقابل يمكن ببساطة العودة إلى العمل كالمعتاد.

ويقدِّم الكتاب تحليلاً مقلقاً لكنه مفعم بالأمل؛ إذ أدت جائحة "كوفيد 19"؛ باعتبارها أكبر أزمة صحية في القرن الحادي والعشرين، إلى دمار اقتصادي هائل، وفاقمت حدة التفاوتات القائمة أصلا. لكن، وبحسب الكتاب، فإن قوة البشر تكمن في بصيرتهم وإبداعهم -وإلى حد ما على الأقل- قدرتهم على تحديد مصيرهم بأيديهم والتخطيط لمستقبل أفضل، لذا يوضح هذا الكتاب لنا من أين نبدأ؟!

تعليق عبر الفيس بوك