معهد واشنطن يرصد المخاطر والفرص في الدولة الوحيدة التي أسقطت نظاما إسلاميًا

السودان على حافة الهاوية.. ودعم حكومة حمدوك يقطع طريق "عودة الاستبداد"

ترجمة- رنا عبدالحكيم

تزخر أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط بنماذج سياسية واقتصادية مُتعددة، ودول على حافة الهاوية، والكثير من الحكايات حول سقوط الأنظمة، لكن في منطقة تعج بأنواع مُختلفة من الاستبداد، فإنَّ تاريخ السودان الفريد، كأول دولة تُسقط نظامًا إسلاميًا، يُمكن أن يحطم العديد من التوقعات المُتأصلة.

وبحسب تقرير نشره معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، فأمام الولايات المُتحدة خيار مصيري في هذه اللحظة المحورية، إذ يُمكن أن تتعامل مع السودان لتصحيح الأمور في وقتٍ يتكشف الأمل في الخرطوم، بينما تحتاج الدولة بصورة عاجلة للدعم الفوري، لتحقيق الفائدة للمصالح الإقليمية للولايات المُتحدة. وأعد هذا التقرير ألبرتو فرنانديز نائب رئيس معهد الشرق الأوسط لبحوث الإعلام، والذي شغل سابقًا منصب القائم بالأعمال الأمريكي في الخرطوم خلال الفترة من 2007 إلى 2009.

لكن ما الذي أوصل السودان إلى الحافة؟

يسرد التقرير ما شهده السودان خلال العام ونصف العام الماضيين، إذ نجحت قوى الحرية والتغيير، وهي ائتلاف واسع من الجماعات الوطنية، في إسقاط نظام المشير عُمر حسن أحمد البشير في أبريل 2019. وفي 30 يونيو الماضي- أي بعد عام ونيف من عزل البشير- احتشد المتظاهرون مجددًا ورفعوا مطالب أساسية تتلخص في: تحقيق انتقال أسرع نحو الحكم المدني، وإبداء المدنيين الذين يسيطرون على السلطة لمزيد من الحزم، والابتعاد بصورة أكبر عن عناصر النظام الإسلامي السابق الذي لا يزال مُتأصلاً في المنظومة البيروقراطية، علاوة على مساءلة النظام السابق عمَّا ارتكبه من انتهاكات، مع تقليص هيمنة الجيش على الحياة العامة في البلاد. وقال التقرير إنَّ هذه التغييرات تُمثل خطوة طبيعية في خضم مرحلة ما بعد البشير، إذ شهد السودان شهورا من المناورات السياسية مع الجيش، فيما تعرضت الكثير من المظاهرات لقمع شديد، إلى أن تمَّ تقاسم السلطة وبدء مرحلة انتقالية في يوليو 2019. وبموجب هذه الخطة، يحكم البلاد مؤقتًا مجلس السيادة العسكري المدني المُشترك، مع الإدارة المدنية برئاسة تكنوقراط مُحترم هو رئيس الوزراء عبد الله حمدوك. ومن المفترض أن تستمر هذه الخطة المُؤقتة حتى إجراء الانتخابات العامة في أواخر عام 2022.

ويرى التقرير أنَّ المشكلة لا تتمثل في أنَّ حكومة حمدوك فشلت في إحراز تقدم، فمنذ وصوله إلى السلطة في أواخر أغسطس 2019، شكل الحكومة الأكثر تنوعًا في تاريخ السودان، وتولت النساء 4 حقائب وزارية رئيسية هي الشؤون الخارجية والتنمية الاجتماعية والعمل والشباب والرياضة والتعليم العالي، في حين أنَّ وزير الإعلام صحفي سابق وسجين رأي تمَّ سجنه ومضايقته لسنوات. واستغل حمدوك الإرث القانوني السام لنظام البشير، مما سمح له بإطلاق حرية الصحافة وإلغاء القوانين التي حدت من حقوق المرأة والحقوق الدينية. إضافة إلى ذلك، بدأ حمدوك العملية المؤلمة- البطيئة جدًا من وجهة نظر معارضيه- لتحقيق الشفافية والمساءلة في تصرفات النظام السابق. واستطاعت الحكومة أن تسترد ما بين 3.5 إلى 4 مليارات دولار من أصول البشير، وفقًا للجنة مُكافحة الفساد وتفكيك النظام الحكومية.

وفي الشؤون الخارجية، قامت حكومة حمدوك باتخاذ كل ما يُمكن أن تحلم به الولايات المُتحدة، حيث حقق البلدان تعاوناً مثمراً في مكافحة الإرهاب، وفي فبراير الماضي، التقى الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة- ورئيس دولة السودان بحكم الأمر الواقع- برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وتعرض اقتصاد السودان الفقير بالفعل لتدهور عنيف قبل أزمة كوفيد-19 وما تلاها من تراجع عالمي، إذ يبلغ معدل التضخم في السودان حوالي 100%، وقفزت البطالة إلى 25%، ومن المتوقع أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 8% هذا العام بعد انكماشه بنسبة 2.5% العام الماضي.

توصيات للسياسة الأمريكية

وكالعادة، نصح المُقرضون الدوليون الحكومة السودانية باتخاذ خطوات مالية قد تُهدد شعبيتها وتجعلها هدفًا أسهل للانتقاد من الرموز العسكرية والإسلامية التي تترقب الفرصة. ويرى التقرير أنَّه في الوقت الذي يتدافع فيه السودانيون للحصول على الخبز والأدوية والوقود، يبدو من الجنون أن تفرض حكومة حمدوك- الجادة لكن هشة- ضرائب على المُواطنين أو أن يرسلوا الأموال إلى ضحايا الإرهاب في أمريكا.

ويرى التقرير أنَّ منطق سياسة الولايات المُتحدة الحالية بشأن السودان واضح، ويجب أن يتمثل في مُعالجة القضايا الثنائية العالقة بشكل منهجي مع الحفاظ على أمل الإغاثة في نهاية النفق، وهذا يشمل التراجع عن الوعد بإزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في مرحلة ما قبل انتخابات 2022 أو حتى بعدها. وإلى ذلك الحين، فإنَّ الأولوية لمُواصلة إصلاح القطاع الأمني ​​بحذر، وحماية الحكومة المدنية من خطر الانقلاب، وإبقاء الجيش بعيدًا عن شؤون الحكم، خاصةً "أمير الحرب" الطموح الفريق محمد حمدان دقلو "حميدتي"، نائب رئيس مجلس السيادة. ويوضح التقرير أنَّ السودان حتى الآن لم يحصل سوى على وعود من الولايات المُتحدة أكثر من المساعدة الفعلية.

وقال معهد واشنطن إنَّ المشكلة في هذه السياسة أنها تفترض أنَّ الوقت في صالح واشنطن، لكن هذا صحيح فقط إذا كان الاقتصاد العالمي مزدهرًا بينما يتذبذب اقتصاد السودان. لكن واشنطن تُخاطر بتحقيق عكس نتيجتها المرجوة من خلال السماح للحكومة الحالية بفقدان الثقة على أمل إبقاء حميدتي في وضع حرج، أو من خلال تخفيف الدعم الاقتصادي المُستقبلي الذي لن يصل أبدًا بشكل كامل. وبدلاً من حكومة مدنية تتمتع بالليبرالية والإنسانية والمدنية ولديها سجل إيجابي منذ عام 2019، يمكن للسياسة الأمريكية الحالية أن تتسبب في فشل الحكومة والطعن في مصداقيتها، بما يُمهد الطريق أمام وصول نظام حميدتي أو آخر أسوأ بكثير، وربما قيادة تتدثر- مرة أخرى باستبدادها- بعباءة الإسلام السياسي. وحتى لو كان مستقبل السودان، للأسف، يحكمه جنرال جديد جاء إلى الحكم على ظهور الخيل، فقد يتم تقييد هذا القائد إذا تولى السلطة من حكومة انتقالية ناجحة بشكل معقول، بدلاً من أي وضع كارثي آخر.

ولذلك يجب على واشنطن أن تمضي بسرعة في دعم السودان، وليس ببطء، وبقدر الإمكان، يجب أن تكون الإغاثة الاقتصادية في المُقدمة من أجل إعطاء المواطنين السودانيين أملاً ملموسًا على الأرض. علاوة على ذلك، يحتاج حلفاء الولايات المُتحدة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المُتحدة إلى حديث مباشر حول كيفية أن يكونوا أكثر صراحة في مُساعدتهم لحكومة حمدوك. ويتعين على واشنطن أن تُحذِّر كل من هذه الدول ومنافسيها في قطر وتركيا من أنَّ السودان أصبح الآن أولوية أمريكية، وليس كرة قدم أخرى في صراعهم الإقليمي الدقيق.

تعليق عبر الفيس بوك