"بلومبرج": الصين تسعى لاقتناص فرصة التراجع الأمريكي والضعف الأوروبي

"كورونا" يستنسخ "لحظة يالطا" ويعيد رسم خارطة النظام العالمي الجديد

...
...

ترجمة- رنا عبدالحكيم

في يوليو من عام 1945، وبعدما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، اجتمع قادة الولايات المُتحدة وبريطانيا العظمى والاتحاد السوفييتي (سابقا)- فيما عُرف وقتذاك باجتماع "الثلاثة الكبار"- في قصر ملكي في بوتسدام خارج العاصمة الألمانية المُحتلة، وذلك لوضع النظام العالمي الجديد، وبعد هذا الاجتماع بدأت بذور الحرب الباردة تنمو في ذلك الوقت.

وكتب آلان كروفورد في "بلومبرج" أنَّه بمُناسبة الذكرى 75 لمُؤتمر يالطا، يجري الآن إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للعالم مرة أخرى. لكن هذه المرة، نتيجة لتفشي الفيروس التاجي، الذي وصفته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأنه التحدي الأكبر في حقبة ما بعد الحرب.

وفي مُنتصف عام يسيطر عليه الوباء، تواجه الحكومات أزمة صحية وأزمة اقتصادية وأزمة شرعية مؤسسية، كل ذلك في وقت يتصاعد فيه التنافس الجيوسياسي. ويرى كروفورد أن الكيفية التي تتبلور بها هذه التحولات التكتونية خلال الأشهر الستة المُقبلة ستقطع شوطًا طويلاً لتحديد حقبة ما بعد الفيروس.

والاتجاهات التي كانت واضحة بالفعل قبل كوفيد-19 تكثفت وتسارعت، مثل القوة الصاعدة السريعة، الصين، التي تتعاظم قوتها بصورة أكثر حزماً وتزاحماً مع دول من كندا إلى أستراليا. وبالنسبة للولايات المُتحدة، القوة العظمى الوحيدة التي بقيت على رأس الطاولة منذ بوتسدام، يتم استنزافها ذاتيًا بشكل مُتزايد مع تفشي الفيروس بين سكانها واقتصادها، وذلك قبل أشهر قليلة على الانتخابات الرئاسية المُقررة في نوفمبر المُقبل.

وقال روري ميدكالف رئيس كلية الأمن القومي في الجامعة الوطنية الأسترالية "أصبحت الكثير من المشاكل الهيكلية في النظام الدولي أكثر وضوحًا بكثير". وأضاف "مع تقارب نقاط الضغط المتعددة، من إخفاقات القيادة إلى انعدام الثقة في صدق المعلومات، فإنَّ عاصفة مثالية تتشكل". وتابع أن "الاختبار الكبير يتمثل في ما إذا كان بإمكاننا اجتياز الأشهر الستة إلى الثمانية عشر المقبلة دون أن تصل هذه الأزمات إلى ذروتها".

وفي بوتسدام، شكل الصراع الأيديولوجي بين النظامين الشيوعي والرأسمالي، الديناميكية الرئيسية، وفقًا للنموذج الروسي والأمريكي. وخرج الاتحاد السوفييتي بقيادة جوزيف ستالين من الحرب كقوة عظمى، في حين أظهر الرئيس الأمريكي هاري ترومان التفوق التكنولوجي والعسكري للولايات المتحدة من خلال إصدار الأمر- أثناء حضور المؤتمر- بإسقاط القنابل الذرية على هيروشيما وناجازاكي.

وتشبه المُواجهة الحالية بين الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب والصين في عهد شي جين بينج، الوقوف على "سفوح" الحرب الباردة الجديدة، كما وصفها وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر. ويقول المؤرخ نيال فيرجسون: "إننا نقف على هذه السفوح بالفعل، ويتفق الكثيرين على أن رئاسة جو بايدن من غير المرجح أن تعكس تدهور العلاقات الأمريكية الصينية".

وبالنسبة لميدكالف، فإنَّ القضية المحددة الآن ليست فقط كيف تستجيب الولايات المتحدة لتحدي صعود الصين، ولكن ما إذا كان "اللاعبون متوسطو الحجم" بما في ذلك الهند وأستراليا واليابان وأوروبا على استعداد لتحمل المخاطر للدفاع عن النظام الدولي والعمل سوياً للقيام بذلك.

وثمة مشكلة تتمثل في أنه ليس هناك أي تكتل واضح لمناقشة شكل عالم ما بعد الوباء، فمجموعة السبعة في حالة من النسيان، في وقت يرفض مضيف هذا العام، ترامب، أن يكون عضوا في المجموعة. وتم تأجيل قمة سبتمبر المزمع عقدها لقادة الاتحاد الأوروبي والرئيس الصيني إلى أجل غير مسمى. ولا يزال اجتماع مجموعة العشرين في نوفمبر برئاسة المملكة العربية السعودية غير مُؤكد. كما إن الأمم المتحدة، التي تم تشكيلها في عام 1945 لمنع المزيد من الحروب، تعاني من خلل وظيفي إلى حد كبير؛ فروسيا والصين، وهما من القوى الخمس التي تتمتع بحق النقض (الفيتو)، منعت قرارًا آخر هذا الأسبوع، بشأن سوريا.

وفي غضون ذلك، فإنَّ جبهات الصراع مع بكين باتت مفاجئة ومحيرة في كل مكان؛ إذ دخلت في صراع مع أستراليا حول أصل الفيروس، ومع كندا بسبب احتجاز المسؤول التنفيذي لشركة هواوي منغ وانزهو، ومع الهند حول حدود متنازع عليها. وتتحرك اليابان والاتحاد الأوروبي ليصبحان أقل اعتمادًا على الصين، نتيجة لنقص سلسلة التوريد التي يتعرض لها الفيروس. وكانت ألمانيا وأستراليا من بين العديد من الدول التي سنت أو تشدد تشريعات للحماية من الاستثمارات المفترسة من الصين.

ويستعد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لإلغاء قرار سابق ومنع هواوي من بناء شبكات الجيل الخامس، مما دعا سفير الصين في لندن لإصدار تحذير، متحدثاً فيه عن "عواقب" إذا حدث ذلك. وعرضت حكومة جونسون أيضًا على 3 ملايين من سكان هونج كونج مسارًا سريعًا للحصول على الجنسية البريطانية.

وقال وليام تشونج كبير زملاء معهد ISEAS Yusof Ishak في سنغافورة إن التوترات تتزايد أيضًا مع تايوان وفي بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه وبحر الصين الشرقي وسط "عرض شديد القوة" من قبل بكين. وأضاف "في ذهن الصين، فقدت الولايات المتحدة عباءة قيادتها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، إن لم يكن في العالم. لذا فإنَّ الصين تعتبرها فرصة سانحة لها".

وقال كونستانز ستيلزنمويلر زميل في معهد بروكينغز في واشنطن "إن هذا الوباء لم يغير العالم كثيرًا لأنه يلقي الضوء بوحشية على العيوب وأوجه القصور والإضرار بالنظام الدولي والنظام الوطني، وحيثما كانت هناك عيوب ونقاط ضعف، اجتاح الوباء وأظهر وحشيته".

تعليق عبر الفيس بوك