المستشار لا يُستشار

 

 

عبدالمجيد الراشدي

 

الوحدات الإدارية الحكومية ولأسباب لا حصر لها، منها ما يعود على القائمين بالوحدة، وأخرى على الموظف ذاته، درجت على تعيين كل من أصبح غير مرغوب في استمراره في وظيفته الهيكلية لغاية ما أو لإزاحته عن موقع اتخاذ القرار، أن يُعين في وظيفة ينطبق عليها المثل العماني الشيفة شيفة والمعاني ضعيفة، فالاسم يوحي لك بأهميتها وسُموها ولكن هي بدون اختصاصات حقيقية وإن وجدت فهي على الورق فقط كوظيفة مستشار أو خبير أو مسمى مبتدع جديد وهو مدير مختص.

وكل ذلك تقنين لبطالة مقنعة تتمترس بالقانون، فيها هدر للطاقات وللأموال وعبء إداري، والشيء بالشيء يذكر سأسرد لكم موقفاً قد سمعته منذ زمن متعلق بموضوعنا، وهو عندما عين زميل لنا في وظيفة مستشار بمحكمة القضاء الإداري أخبره أحد أصدقائه أنه يتناقل في قريتهم أن فلاناً (والمقصود هنا الزميل) مسكين خلوه مستشار، وإن كان الأمر هنا اختلط بالجهل لأنَّ الوظيفة المعين فيها الزميل تعادل قاضي استئناف في القضاء العادي وليست وظيفة إدارية، إلا أنَّ ذلك يدل دلالة عميقة على نظرة المجتمع ومفهومه السائد لمن يعين في تلك الوظائف والتي رسختها الوحدات الحكومية من خلال مسلكها ومفهومها لتلك المسميات منذ أمد بعيد، وتوج أخيرا ذلك بإحالة كل من أكمل خدمة 25 سنة من شاغلي تلك الوظائف للتقاعد، وهو إقرار صريح بعدم إنتاجيتهم والتعجيل بإحالتهم للتقاعد.

كل ما سبق معلوم للجميع ولاجديد فيه والهدف من المقال ليس السرد أو إقرار حالة موجودة ولكن لأجل معالجة مشكلة قائمة، وهي في معظم الأحيان نتاج سوء فهم ومشاكل تحدث بين الرئيس والمرؤوس في القيادات العليا والمتوسطة، والنتيجة المترتبة عليها غالباً إزاحة المرؤوس، ولحل هذه المشكلة فلابد:

أولا: وضع أسس دقيقة لتقييم الموظفين عن طريق لجنة متخصصة محايدة وفق معايير علمية حتى يكون أكثر واقعية وبناءً عليه يتم تحديد أهلية الموظف للاستمرار في وظيفته من عدمها أو نقله لوظيفة غير هيكلية.

ثانيا: موافقة لجنة شؤون الموظفين أو مجلس الخدمة المدنية على التعيين فيها كل بحسب الوظيفة.

ثالثا: أن يكون هناك حد أعلى لعدد تلك الوظائف في كل وحدة بما يتناسب مع حجمها.

رابعا: أحقية الموظف في رفض الوظيفة، وطلب النقل إلى وظيفة أخرى مناسبة إن اُلحق أو عين في مسمى وظيفي من دون عمل.

خامسا: إلزام الوحدات بالإعلان عن الوظائف الشاغرة للجميع وهو ما يتيح للموظف حرية التنقل من وحدة إلى أخرى داخل وخارج الوحدة، ويمكن إضافة أسس أخرى الهدف منها تقليل عدد الموظفين الشاغلين لتلك الوظائف أو غيرها المماثلة لها والمشابهة، لكون المال العام أمانة على عاتق القائمين عليه والمحافظة عليه هدف يجب أن يسعى إليه الجميع، وشغل الموظفين لوظائف من دون إنتاج يمثل بلاشك هدرا للمال العام ولإنسانية الموظف واستحقاره بتركه من دون عمل حقيقي، وهو كذلك له تأثير نفسي سيئ لبقية الموظفين وهم يرون أمامهم تعامل الإدارة مع زميل لهم أفنى عمره في الخدمة ليجازي بعدها بسلبه لكل اختصاصاته وتهميشه، فالأمر المعنوي مهم وضروري للإنسان لأنّه اجتماعيٌّ بفطرته وبطبعه، وتقدير الآخرين له محفز قوي لتقديم أقصى ما عنده والعكس صحيح.

كتبت في هذا الموضوع لما عايشته واقعاً لعدد كبير من الموظفين في مختلف الوحدات الحكومية، وأرجو على أقل تقدير أن تقل هذه الظاهرة إن لم تختف، ومنح الفرصة للجميع للمشاركة في البناء والتطوير لبلدنا الغالية عُمان، وأن يكون هناك دائماً متسع للجميع وإن اختلفنا في الرأي، طالما هدفنا واحد وهو رفعة وسمو وطننا الغالي، ودمتم بخير.

تعليق عبر الفيس بوك