سقوط في الاختبار الأول

 

علي بن سالم كفيتان

لا أدري إنْ كان النظام يُسمح باختبار دور ثانٍ في مثل هذه الاختبارات المستعصية، ولكن ما هو مؤكد أنَّ نتيجة الاختبار الأول للمركز الوطني للتشغيل كانت دون المأمول، وربما يجوز لنا أن نقول إنها كانت خارج نطاق التوقع تماما؛ فبعد أنْ تمَّت إحالة مسؤولية أكبر قضية وطنية تؤرق البلد للمركز منذ مطلع العام 2020، وسحب جميع الصلاحيات من وَزارة القوى العاملة، طالعنا المركز الأسبوع الفائت بكشوفات لمن تمَّ توظيفهم وهم بعشرات الآلاف، واتضح فيما بعد أن معظمهم موظفون بالفعل، وعلى رأس عملهم منذ عدة سنوات، بل وصرح عدد منهم عبر محطات إذاعية وتليفزيونية بأنهم تفاجأوا بأسمائهم ضمن كشوف المركز الذي لم تكن له لا ناقة ولا جمل في تعيينهم.. فماذا عساها تكون السالفة؟

أيكون المركز ضل طريقه؟! فبدلا من أن يقوم بمعالجة مشكلة المسرحين من وظائفهم، وتخفيف الحزمة الثقيلة للباحثين عن العمل، استنسخ كشوفات وهمية لأناس قد تم توظيفهم قبل حقبة المركز؟ ولماذا أقدم على هذا الفعل المكشوف؟ إنَّ هذه الانتكاسة تنمُّ عن تخبط في كواليس هذه المؤسسة التي كان ينتظر منها الجميع حلولًا جذرية ومعالجات ناجعة لأشد الملفات سخونة في البلاد، لكننا بعد مطالعتنا لما حدث، نجد أنَّ الآمال العريضة التي كُنا نحملها لمستقبل هذا المركز قد تبخرت في أول اختبار، وذهبت مع الريح.. فما عسانا نقول غير "لك الله يا وطن".

في محافظة ظفار، ذكر لي بعض المراجعين لفرع المركز من الباحثين والمسرحين أنَّ جهودَ ذلك المكتب تنحصر في استخراج صك يبين أنك باحث عن عمل؛ من خلال جهاز حاسب آلي يثبت أنك خارج الخدمة الوطنية، وعليك أنْ ترضى بتلك الإفادة وتعلقها على جدار غرفتك أو حتى تضعها تحت وسادتك لتطالعها صباح مساء، علها تنطق وتقودك لمستقبلك المجهول، فكل ما يقوم به موظفو المركز هو ذاته ما كانت تقوم به هيئة سجل القوى العاملة سابقا، فلا توجد خيارات ولا بدائل ولا معالجات، فقط صكوك البطالة تُمنح وتُمهر بختم المركز وانتظر..... حتى يأتيك الربيع.

من واقع تجربة ومعايشة لهذا الموضوع، عندما كان في يد المديرية العامة للقوى العاملة بظفار، كانت هناك حركة دؤوبة وكشوفات أسبوعية للتوظيف في مختلف مؤسسات القطاع الخاص، وعقب إنشاء المركز صام الجميع ليفطروا على مائدة تفتقر للماء والتمر!

إنَّه تراجع مدوٍّ، هزَّ آمال وطموحات آلاف الشباب والشابات القابعين في بيوتهم انتظارا للفرج، ولا شك أنَّ هذا الإجراء ستكون له تبعاته، في إطار جهود بناء الثقة الذي تنتهجه حكومة صاحب الجلالة -أيده الله- ففي مقابل تضحيات جِسام قامت بها الحكومة من خلال إحالة الآلاف للتقاعد الإجباري من القطاع العام، وتحمل تبعات تلك الخطوات، هل يُقبل من المركز وفي أول خطوة هذا الأداء الباهت؟ فلا بد من إجراء معالجة سريعة لهذا الخطأ عبر بيان واضح وصريح من المركز ومحاسبة من أسهم في هذا الخلل البيِّن؛ فالأمر لم يعد اليوم قضية باحثين عن عمل، بل انتقل إلى خانة حدوث صدع في جدار الثقة مجددا، وبتنا نبكي على أيام وزارة القوى العاملة.

ورغم كل هذه الضبابية، مطلوب منا أنْ نُحسِن النية كما يقولون دوما، وأن نلتمس لهم العذر، لكنني لم أجد سوء نية فيما نطرح، وبحثت في كل الأعذار ولم أجد حتى عذرا واحدا لبث آلاف الأسماء المكررة، بعضها يعمل منذ أعوام، والبعض الآخر مصنَّف أنه يعمل مع نفسه داخل سجله التجاري المحفوظ في دولابه منذ عدة سنوات، ولم يمارس أي نشاط تجاري على أرض الواقع. فهل هي طريقة جديدة تندرج ضمن جبايات وزارة التجارة والصناعة؟ وهل يعد كل شخص لديه سجل تجاري موظفًا؟ ولماذا كل هذا الالتفاف على أناس لا همَّ لهم سوى لقمة العيش في بلد آمن؟

سننتظر بيان المركز الوطني التشغيل حول هذه الحادثة التي شغلت الرأي العام، في وقتٍ كُنا نحتاج جرعات ثقة أكثر من جرعات التشكيك، ونأمل أن يكون البيان شفافا هذه المرة مهما كانت مرارته؛ فالذهاب بعيدا في تغليف الخطأ لا يولد إلا مزيدا من الأخطاء.