ترجمة - رنا عبدالحكيم
اعتبرتْ مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أنَّ فكرة "حل الدولتين": فلسطين وإسرائيل، قد ماتتْ في ظلِّ تحركات الاحتلال الإسرائيلي لضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، بموجب شروط اتفاقية التحالف الموقَّعة في أبريل، بينما يضرب الفلسطينيون أخماسا بأسداس حول قيادتهم، ويتساءلون كيف أصبحوا بعيدًا جدًا عن هدفهم الأصلي في إقامة دولة فلسطينية.
وفي مَقال بقلم الصحفية داليا حتوقة، فإن اقتطاع إسرائيل ببطء لأجزاء من الضفة الغربية على مر السنين، وابتلاع مستوطناتها قمم التلال وتشريد الفلسطينيين من خلال تدمير منازلهم، دفع القيادة الفلسطينية لتختار بهدوء هيمنتها السياسية ومصالحها الاقتصادية، على أن تحاسب المحتل وتقاومه. ولجأت السلطة الفلسطينية في كثير من الأحيان إلى التهديدات الفارغة، وهذه المرة، باختيار عدم تقديم قضية جرائم حرب أمام المحكمة الجنائية الدولية، حول ما إذا كانت إسرائيل تخرق المادتين 47 و49 من اتفاقيات جنيف (حول حقوق الإنسان في حالة الحرب)، في إشارة إلى الضم الذي يلوح في الأفق والسعي لنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها إسرائيل.
وبفضل جهود إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإثبات استعدادها لتغيير عقود من السياسة الأمريكية فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، أصبح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكثر جرأة. فقد قررت الولايات المتحدة نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، ثم الاعتراف بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان. وجدد نتنياهو في يناير تعهده "بفرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن وشمال البحر الميت".
وبعد ثلاثة انتخابات وصلت إلى طريق مسدود، جمعت اتفاقية تشكيل ائتلاف حكومي بين معسكر نتنياهو وحزب "الأزرق والأبيض" الذي يقوده غريمه بيني جانتس، ستتمكن إسرائيل من ضم بعض المستوطنات رسميًا في الضفة الغربية وغور الأردن الإستراتيجي -فيما يعرف بالمنطقة (ج) بموجب اتفاقيات أوسلو. وتم عرض الخطة على مجلس الوزراء الإسرائيلي لمناقشتها، وتم اتخاذ هذه الخطوة بالتنسيق مع واشنطن.
وتحدِّد خطة السلام التي وضعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي صدرت في يناير، سيناريو يمكن أن يتمتع فيه الفلسطينيون بحكم ذاتي محدود -إذا وافقوا على 70% من الضفة الغربية واستيفاء شروط صارمة؛ حيث تضم إسرائيل الـ30% المتبقية. ورفضت القيادة الفلسطينية خطة ترامب، باعتبارها تصب في صالح إسرائيل.
ومن ناحية أخرى، تبنى نتنياهو الخطة؛ حيث أشار إلى أنه يريد ضم حوالي نصف المنطقة (ج) تدريجيًّا، لكنه واجه معارضة داخلية. ويرى بعض المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين المتقاعدين أن هذا يشكل محفزًا محتملاً لموجة من المقاومة الفلسطينية وتدهور العلاقات مع الأردن ودول أخرى، في حين أن بعض المستوطنين الذين يشعرون بالرضا عن الوضع الراهن لا يرغبون في رؤية دولة فلسطينية مطلقا.
ويُعارض جانتس ووزير الخارجية جابي أشكنازي (عضو حزب الأزرق والأبيض) الضم الشامل؛ إذ يجب تنفيذه بالتنسيق مع الأطراف المتضررة: الفلسطينيين والأردن ومصر. وقال جانتس مؤخرًا إن إسرائيل لن تضم مناطق بها عدد كبير من السكان الفلسطينيين، وأنه في المناطق التي تم ضمها سيكون للفلسطينيين حقوق كاملة. وهذا يعني على الأرجح إصدار بطاقات إقامة إسرائيلية (لكن ليس الحصول على الجنسية) لعدد ضئيل من الفلسطينيين الذين يعيشون بجوار المستوطنات الإسرائيلية التي سيتم ضمها، مما يمنحهم وضعًا مشابهًا للفلسطينيين الذين يعيشون في القدس الشرقية.
وثمَّة انقسامات داخل إدارة ترامب؛ حيث يرغب السفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان في المضي قدمًا في الضم، في حين أوضح وزير الخارجية مايك بومبيو أن هذا القرار بيد حكومة تل أبيب. ويود بعض مسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية "بنتاجون" رؤية الولايات المتحدة تتراجع عن دعم الضم، لأنه يهدد الاستقرار الإقليمي. وخارج الإدارة الأمريكية، فإن الدعم السياسي للضم ضعيف، فالمرشح الرئاسي الديمقراطي المحتمل جو بايدن يعارض هذه الخطوة. وتراجع دعم الحزب الديمقراطي لإسرائيل؛ حيث بات أعضاء الكونجرس أكثر تعاطفًا مع القضية الفلسطينية.
ويُمكن أن يدعم ترامب عملية الضم كليًّا أو يدعو إلى خطوة تدريجية أو أقل شمولية. لكن في كلتا الحالتين، لدى نتنياهو بعض الخيارات في جعبته؛ إذ يمكنه أن يقرر ضم الأراضي المجاورة للمستوطنات التي لا يقطنها الفلسطينيون بكثافة، لتجاهل مسؤولية منح مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين يعيشون في هذه المناطق إقامة قانونية أو جنسية. ويمكنه كذلك البدء في ضم كتلة أو كتلتين استيطانيتين كبيرتين. لكنه في نهاية المطاف، لم يتمكن من اتخاذ أي قرار، وفي المقابل لجأ إلى تشكيل لجنة للنظر في طرق لبدء الاستيلاء على الأراضي.
... إنَّ القيود المكانية لدولة فلسطينية مستقبلية محددة الآن بشكل جيد، وهي: الجيوب المنفصلة داخل الضفة الغربية، وغزة المعزولة بإحكام. وعملية ضم أجزاء من الضفة الغربية مجرد بداية للمصاعب القادمة على الفلسطينيين، ومن المرجح أن يتم إصدار المزيد من القوانين، التي تكرس الحقوق الإسرائيلية على الأراضي والموارد الفلسطينية.
على سبيل المثال، سيكون للضم الإسرائيلي تداعيات وخيمة على أريحا؛ وهي واحدة من المدينتين الأوليين اللتين مُنحتا حكماً ذاتيًّا فلسطينيًّا محدودًا بعد اتفاقيات أوسلو عام 1994. واستثمر الفلسطينيون بكثافة في تلك المدينة القديمة، معتبرين أنها مركز اقتصادي لدولتهم المستقبلية. ولبعض الوقت، حولتها الاتفاقية إلى أكثر المدن حيوية في الضفة الغربية، لكن خطط الضم الجديدة تظهر أن المدينة محاطة ببؤر استيطانية عسكرية ومستوطنات معزولة تمامًا عن المدن الفلسطينية الأخرى، وهو ما يضيف مصاعب على الفلسطينيين.