المؤثرون في الأرض

فاطمة الحارثية

اتفقت وصديقتي أنَّ الكثير من النَّاس يسعون ليكونوا شخصيات مُؤثرة، حتى بلغ لدى البعض من أجل فرض تأثيره أن استعان بمقاعد السلطة والأحزاب، وهذا كان منذ الأزل وسيبقى إلى أن يرث الله الأرض وما عليها. إنَّ لكل منِّا وجهة نظر نحو المؤثرين أو بالمفهوم العام من يلتف حولهم الناس ويصغون إلى آرائهم أو حتى يستلهمون منهم قرارات أمورهم الحياتية، ويحاكي الغالب منِّا العادات والمتوارث بالأخذ من آراء الآباء أو الأصدقاء أو الأحباء أو الرؤساء، السبب الرئيسي هنا يكمن تحت مظلة "الثقة" أو الاعتقاد بأنَّهم أعلم بحكم العمر أو المركز، شخصيًا قد أتأثر بمن لا أثق بهم أيضًا لأنني لا أجانب طريق الأمان في الكثير من الأمور، ولأنني أرى أننا نستطيع أن نأخذ زمام الأمور بالمنطق وتحكيم العقل كمعيار؛ فرُب عزيز غيور أو صديق يخاف عليك يُقلّب عليك الأمور، لله الحمد أنَّ الله مُلهمنا وأن جعل لنا "حدس" ووضع الهداية بأمره وحكمه المطلق.

في كل عام يتصدر كبرى الجرائد والمجلات حصاد المؤثرين سنويًا، واللافت للنظر أنَّ الغالبية هم من في حكم الساسة والقادة وعند الاضطلاع على المؤثرين عبر التاريخ تختلف نتائج الإحصائيات السنوية ليحل محلهم الفلاسفة ورجال الدين وهذا يُثير التعجب ويخلق السؤال. إذن، لماذا تعتقد بحدوث هذا التباين الكبير بين الإحصائيات السنوية والطويلة الأجل، لماذا لا تستمر الأسماء ذاتها؟ وما هو جوهر التأثير وأصالة المُؤثر؟

هل أنت مؤمن بنفسك أم معتد بها؟ هل تملك رسالة وهدفاً وغاية؟ ما هي قيمك وما هو مبدؤك؟ ماذا يُمثل الناس لك؟ عندما ترغب بشيء، هل أنت صادق مع نفسك لماذا ترغب به أو تسعى إليه أو لماذا تفعل ما تفعله؟ هل لديك شغف أو تدرك علمًا عن فن السرد والحديث من القلب؟ ما هي الأفكار التي تعصف بذهنك عند الرغبة في تغيير أمر ما؟ وهل أنت تفعل ما تقول وتمتلك النزاهة؟ هذه الأسئلة بعض من فيض عن ماهية كيان المؤثرين في الأرض، فرويدكم يا سادة ولا تخالوا أن خوف الناس من بطش المناصب وانصياع الناس بالقوة وكسر العزائم بالتنمر لتحقيق المراد إنك مؤثر أو حتى قائم على وضع بصمة وجود على الأرض.

حتى في هذا العالم المتغير الذي نعيشه وصدمة الأوبئة وتقلبات الأوضاع المالية والإنسانية لابد من ثوابت تتولى زمام الأمور، والراسخ هنا إدراك أن تلك الثوابت لابد أن تكون مرنة ولا تحيد عن القيم والمبادئ السوية لتستقيم الأمور ويأتي السعي ثماره. ومن تلك الثوابت إدراك إمكانياتنا كلٌ حسب ما حباه الله ووهبه واجتهد في علوم نافعة. قد يمضي الإنسان جُل حياته كي يفهم ذاته أو يسعى للتشبه أو منافسة غيره في مضيعة حقيقية لحياة ثمينة، لكل منِّا سمات شخصية ولكل منِّا قدرات تميزنا عن بعض كبصمات اليد، وهذا الاختلاف هو إكسير كمال أدائنا على الأرض واستمرار الحياة الكريمة عليها. إن المؤثرين يعملون على إثراء الحيوات، وهذا أمر ويكلف الله به من يشاء من عباده، ويمنح القبول لمن أراد وليس سمات شخصية عامة أو حلماً يستطيع أي إنسان أن يحققه باجتهاد أو مال أو سلطة، وهنا أعني به المؤثرين الفاعلين من يغيرون خارطة الحياة عبر التاريخ ويعبر تأثيرهم لأجيال متعددة.

قد نتدرب على قدرة التحاور وأيضًا جذب انتباه كافة شرائح المجتمع بتفاعل متزن ولكن يُحال علينا اقناع أحد أو نيل القبول إن لم نكن بالفطرة مؤثرين، فهي رسالة من قلب فرد إلى قلوب جماعة "وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ". إن الإصغاء ليس مهارة تعتمد على المتحدث بقدر ما هي مهارة أساسية لدى المتلقي. إنَّ المؤثرين يمتلكون رؤية واضحة للأمور ويصغون جيدا ويتمالكون أعصابهم "حليم" ومتكيفون مع كل الأوضاع ومتساهلون، يتعلمون من الخطأ والصواب ولديهم القدرة على فهم بواطن الأمور وظواهرها ومحورتها في كلمات عميقة المعنى يسيرة الفهم، هم بسطاء بفخامة.

جسر..

وُجِد الاختلاف لكي نحتاج بعضنا البعض.. فاستمر في طرح الأسئلة الصحيحة.