"لو خيروني بختار الذهب"

أنيسة الهوتية

 

 

طبعاً المقصد ليس هو معدن الذهب الأصفر، إنِّما معدن الإنسان الذي لايصدأ مهما مرَّ عليه الزمن، يبقى مخلصًا، وفيًا، صدوقًا، معينًا يُعطيك كتفه لتتكئ عليه حين الحاجة كما عهدته من معدنه الذي لايتبدل.

وقلة قليلة من النَّاس يفرقون بين الذهب الأصلي والتقليد، لأنَّ الأغلب ينبهر بلمعانه الذي ليس هو أساس تصنيفه إنِّما أمور أخرى كثيرة لتفرق بينهم، وإن لم يُلحظ الفرق! ووضعا سوية في علبة واحدة! حينها الشدائد والزمن كفيلان بفضحه خاصة حين تنقشع طبقة الطلاء الأصفر اللامع من عليه، ويبدأ الصدأ النتن بالظهور.

ولاشك أنَّ الشاعر القدير أبا محضار حين قال ذلك البيت، إن دلَّ فإنِّه يدل على حكمته في الكشف عن معادن النَّاس وقدرته على التفريق بينهم. وكثيرًا ما أتأسف على أشخاص يَعِزَّون على أراهم وسط اختياراتهم غير الصائبة لأصدقائهم، والمحيطين بهم، وأيضاً لشركاء حياتهم فتراهم متخبطين، وفرحين وفخورين بكثرة الناس حولهم، ولا يعلمون أنَّ هؤلاء ليسوا سوى طفيليات لاصقة لاتقترب منهم إلا طمعًا فيهم وليس حباً وإخلاصاً لهم.

وأسوأ تلك الأمثلة هي المرأة التي تتزوج رجلاً لماله وهي لا تحبه لذاته، وبعد أن تتشبع من المال، وكل الرغد الذي يأتي به، تبدأ في البحث عن ما ينقصها وهو العاطفة ومن ثمَّ بمال زوجها تشتري عاطفة غيره، والقصة قد تكون بالعكس أيضاً وحصلت كثيرا للجنسين ولازالت تحصل. والمجني عليه أو عليها يبقى في اعتقاد أنه حصل على قطعة ذهب"لقطة"

أما جماعة "عند الخطبة اللسان رطبة" فهؤلاء لايخلو منهم بيت، ولا مُجتمع، ولم ولن ينقرضوا خاصة وأن لسانهم الرطبة هو مفتاح نجاح سحري لهم في شتى شؤون الحياة.

"والناس في الدنيا معادن" ويبقى هناك أشخاص معدنهم ليس ذهباً ولكنهم أصيلون ويفتخرون بما هم عليه دون تصنُّع، فمنهم الفضة، والنحاس، والألمنيوم، والتيتانيوم، والرصاص، وغيرها الكثير من المعادن الفلزية ممن يظهرون للعالم على حقيقتهم دون تصنع أو تشبه بالذهب، ومثل أولئك تراهم أصدق في التعبير وأنقى في الوصف وأبسط في التحاور يدخلون القلب دون استئذان لظرافتهم وإن كانت فيهم صفات احتيالية خفية و"عيارة" إلا أنَّ البشرية تستطيع الاعتماد عليهم والإتمان لهم وقت الشدة.

وبما أن حديثنا عن المعادن فيجب ألا نترك فراغاً دون ذكر المعادن المتبلمرة النادرة جدًا في الوجود، والتي وإن لم تكن ثمينة كالذهب إلا أنَّها الأجمل دائمًا، والأبهى، والأكثر إبهارًا للعيون بجمالها الأخاذ وإن وضعت على الذهب زادته رونقاً وجمالاً وقيمة، وإن كانوا يسمونها أحجارا ولكنهم لازالوا يميزونها بوصف الكريمة.

ويالروعة الأحجار الكريمة تلك، من الزبرجد إلى الزمرد والياقوت والفيروز والعقيق وغيرها، تراهم ملائكة يمشون في الأرض، أجسادهم بشرية وأرواحهم تطير في السماء يعلون علواً من كثرة إنسانيتهم، وروحانيتهم، وتعلقهم بالله وحبهم له سبحانه وتعالى عزَّ وجلَّ، وكأنَّ الله أحبهم فحبب خلقه وعباده فيهم، مصابيح من نور كالكواكب الدرية. لاينطقون بسوء، ولاينظرون إلى سوء، ولايأكلون أو يشربون أو يلبسون من سوء أبدا.

وأعمالهم دائماً لوجه الله تعالى، ترى الخير والراحة في سماحة وجوههم، وأريحية أصواتهم.

ترى في واحد منهم هيبة قبيلة، وإن لم يكن ذا مال ولا جاه في الدنيا ولكنه بلا شك صاحب مقام عظيم عند رب كريم.

والأحجار الكريمة تلك من المعادن شديدة النُدرة، ولربما يظهر واحد من بين مليون شخص كل خمسين أو مئة عام، وإن حصلت عليه فاعلم أنك محظوظ وعليك أن تحافظ عليه، لأنَّ الحجر الكريم لايرجع أبدا إلى اليد التي ترميه.