جيتس يرسم إستراتيجية جديدة لإعادة التوازن العالمي عبر قيادة تؤمن بالتحالفات

"ممارسات في السلطة".. وزير الدفاع الأمريكي السابق يفند الفشل الأمريكي في قيادة العالم

ترجمة - رنا عبدالحكيم

يُقدِّم روبرت م. جيتس وزير الدفاع الأمريكي السابق في الفترة من 2006-2011، رؤية عميقة وصريحة تتسم بالشمولية، لجميع ممارسات الرؤساء الأمريكيين في عالم ما بعد الحرب الباردة، ومظاهرها، وكيف مارستها من أجل تحقيق الخير أو الشر.

وفي كتابه المعنون "ممارسات في السلطة.. الإخفاقات الأمريكية والنجاحات ومسار جديد لما بعد الحرب الباردة"، يرى جيتس أن التصور العالمي للولايات المتحدة تحول تدريجيًّا من الزعامة الدولية المهيمنة إلى كيان غير منظم، وعلى ما يبدو غير راغب في ارتداء عباءة القيادة أو غير قادر على حكم نفسه بفعالية.

روبرت جيتس.jpg
 

ويُجادل روبرت جيتس بأنَّ هذا التحول هو نتيجة فشل القادة السياسيين في فهم تعقيد القوة الأمريكية، وتوسعها، وحدودها. ويوضح أن الممارسة الناجحة للسلطة لا تقتصر على استخدام القوة العسكرية أو القدرة على الإكراه أو الخضوع، بل يجب أن تشمل أيضًا الدبلوماسية والاقتصاد والاتصالات الإستراتيجية والمساعدة الإنمائية والاستخبارات والتكنولوجيا والأيديولوجيا والإنترنت؛ من خلال تحليل التحديات المحددة التي واجهتها الحكومة الأمريكية في فترة ما بعد الحرب الباردة مثل الأزمات في إيران والعراق وأفغانستان وكوريا الشمالية وسوريا وليبيا والعلاقة مع روسيا والصين...وغيرها. ويفكك جيتس الطرق التي استخدم بها القادة أدوات القوة المتاحة لهم، فأصدر أحكاما صريحة على أداء الرؤساء السابقين وكبار مستشاريهم، بفضل ما يملكه من معرفة مباشرة وكواليس صناعة السياسة. لذا؛ يُجادل جيتس بأن الأمن القومي الأمريكي في المستقبل سيتطلب التعلم من دروس الماضي، وإعادة خلق تلك القدرات التي أهدرت بسبب سوء استخدام السلطة.

ويبدو الكتاب تقليديا؛ إذ يبدأ بقائمة بجميع الأدوات التي يمكن لصانعي سياسات الأمن القومي الاعتماد عليها، بدءا من القوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية إلى الدبلوماسية والمساعدات الخارجية وما بعدها، وتنتهي بنصيحة حكيمة.

وما يجعل هذا الكتاب مميزا، أنه يتضمن 12 دراسة حالة حول كيفية استخدام الإدارات الأمريكية الستة الأخيرة لهذه الأدوات، في إدارة تحديات الأمن بعد الحرب الباردة بما في ذلك الصين وروسيا والعراق وإيران وكوريا الشمالية...وغيرها.

وعادة تكتسب المعلومات المألوفة لمحة جديدة واهتمامًا عندما يرويها شخص كان في الغرفة التي شهدت كافة الأحداث. ويقول جيتس ما يعتقده، لكنه يرفض أن يسدد لكماته النقدية. ونتيجة لذلك، يقدم الكتاب في مجلد واحد أكثر السجلات المتاحة دقة لسياسة الأمن الأمريكية الأخيرة، والنقد الأكثر حدة لهذه السياسة والأكثر عقلانية أيضا لما يجب أن يتحقق في المستقبل.

ويعرض جيتيس التحديات التي يجب أن يواجهها صانعو السياسات، وقائمة خيارات السياسة التي اختاروا منها، وأسباب اختيارهم كما فعلوا، وتقييمه بأثر رجعي لتلك الخيارات. لهجته حكيمة وغير حزبية، وهو يصنف جميع الإدارات بشكل عادل وفقًا لمعايير الكفاءة المهنية (على الرغم من أنه من الواضح أن لديه نقطة ضعف لبوش والقضايا مع أوباما). ويدحض المؤلف العديد من الهجمات المألوفة من خلال شرح كيف أن اللاعبين المشاركين قاموا فعلاً بأفضل ما يمكنهم باستخدام الموارد المتاحة لهم. ومع ذلك، في كثير من الأحيان، ينتقد بشدة مَنْ داخل موقع القيادة، ويدعمهم من خلال الإشارة إلى مسارات بديلة للعمل كان يمكن لصانعي السياسة أن يختاروها؛ بما في ذلك العديد من التوصيات التي أوصى بها في الوقت الحقيقي. هذه الحقائق المعاكسة دائمًا ما تكون مثيرة للاهتمام ومقنعة في كثير من الأحيان، مع مناقشات مكثفة بشكل خاص للعراق وليبيا وكوسوفو.

ويرى جيتيس أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة أهدرت المكانة ورأس المال السياسي المحلي من خلال العديد من أخطاء التفويض والإغفال، مما أوجد فرصًا للصين الصاعدة والقوى الأخرى لكسب أرضية متزايدة. ويصر وزير الدفاع الأمريكي السابق على أنه لا يجب أن يترك الأمر ليمضي على هذا النحو. وبالفعل، فإن ما يبرز تدريجيًّا من الكتاب هو الخطوط العريضة لنهج بديل للسياسة الخارجية والأمن القومي، أولا من خلال خط كان يمكن لواشنطن أن تتبناه من قبل، والآخر يجب أن تفكر جديا في اعتماده الآن. فجيتس هو المثال المعاصر الرائد لـ"الأممية المحافظة"، وهي مدرسة موقرة للسياسة الخارجية الأمريكية تعود إلى أكثر من قرن. فمثل الأمميين الليبراليين، يفضل جيتس القيادة الأمريكية العالمية القوية والتعاون الوثيق مع الحلفاء والشركاء لحماية المصالح المشتركة وتعزيزها. لكنه يسخر من فكرة أن واشنطن يمكنها تحويل دول أخرى ضد إرادتها أو في ظل ظروف أقل من المثالية، كما يسخر من أولئك الذين يكلفون بالمهام العسكرية العظيمة التي لا يمكن إنجازها.

ومن خلال هذا الكتاب، يمكن قراءة تكذيب واضح لفكرة أن مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية هي "صقر" متشائم بلا عقل، ومحاصر في التفكير الجمعي، وغير قادر على الإصلاح الإبداعي. إذ إنَّ روبرت جيتس مثال حي على مسؤول أمريكي رفيع المستوى يوصي بثورة سياسية جذرية وعملية في آن واحد، ويتبنَّى نهجا واعدا للإستراتيجية التي يمكن لأي إدارة مستقبلية أن تتبناه.

تعليق عبر الفيس بوك