عُمان.. وكتابة التاريخ من جديد!

 

يوسف عوض العازمي

‏alzmi1969@

"علاقتنا بالتاريخ علاقة تفاعل إيجابي مستمر" - قابوس بن سعيد

أتذكَّر في مواد التاريخ الأكاديمية، درستُ عن تاريخ إفريقيا الحديث، وهو عُنوان المقرر التاريخي، إنما في الحقيقة المقرر يدرس تاريخ عُمان في تلك العصور الماضية، إذ كان الوجود العُماني طاغيًا ومؤثرًا ومتحكمًا، له الهيبة والوجود الفعال في تلكم البقع ذات الأهمية الجغرافية والتاريخية والاقتصادية في سواحل شرق إفريقيا، والتي كانت ولعقود مضت تتحدث العُمانية كلغة وحياة وتعايش.

من موزمبيق إلى مدغشقر، وتتوقف في ممباسا (مومباسا) ونيروبي وتنجانيقا، وحتى نصل لجوهرة التاج العُماني زنجبار، كانت الأنفاس العُمانية هي المؤثرة المتأثرة، الرابطة المترابطة في هذه البلاد الإفريقية، ووصل التأثير حتى الهند، عندما نشط دور التجار الهنود، وشكلوا مجموعات تجارية تعمل في الأنشطة الشائعة آنذاك، بالذات في الزراعة وتجارة الرقيق العابرة للبحار.

ومن العهود العُمانية الغابرة التي كَتَبت تاريخا بارزا يتم بحثه ودراسته في أرقى مراكز العلم التاريخية والجامعات؛ فعندما نبدَأ مع زمن حكم النباهنة، ثم حكم اليعاربة، حتى نصل زمن حكم آل بوسعيد، سنجد هناك تآلفات تاريخية مُتفقا عليها بين الكثير من المؤرخين، خاصة في العهود الحاكمة اللاحقة؛ حيث الفترات التي حكم بها اليعاربة، خاصة زمن الإمام ناصر بن مرشد اليعربي، وبعده زمن الإمام سلطان بن سيف اليعربي، والبصمة الثابتة في قلعة نزوى التاريخية، إلى أنْ جاء حكم الإمام أحمد بن سعيد عندما جاء من صحار، والتف حوله العمانيون، واستمر بعدها حكم البوسعيديين حتى وصلنا إلى جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه.

عانت عُمان في فتراتها التاريخية من أزمات سياسية متعددة، ولعلَّ الاحتلال البرتغالي كان من أبرز ما مر على البلاد، ونعود هنا للإمام ناصر بن مرشد ووقفاته التاريخية وإنجازاته العسكرية في دحر الاحتلال الغاصب، وإعادة الاطمئنان لأهل عُمان من جديد، بالنسبة لهذه الفترة بالذات تعدَّدت الكتابات والمأثورات التاريخية؛ حيث إنَّ الحدث ليس بالسهل ولا اليسير؛ فالبرتغاليون بقيادة البوكيرك عاثوا فسادا وقاموا بأعمال وحشية، ولولا قدر الله للأمة وجود فارس مثل ناصر بن مرشد اليعربي لربما طالت أيام البؤس والاضطهاد.

قرأتُ ذات مرة كتابا بالحجم الصغير عن "ناصر بن مرشد"، وأعتقد أنه يستحق بحثا أكثر، عطفا على منجزاته التاريخية؛ لأنه غيَّر مسار التاريخ، وأعاد وهجًا كان قد فُقِد تلك الفترة؛ حيث سيطرت الآلة الاستعمارية، وأحالت حياة الناس إلى خوف وحرمان، ولولا أن قيَّض الله للأمة ناصرا لينصرهم بعد توفيق الله لاستمرَّ الوضع، ولربما لا نعلم ما الذي كان سيحدث بعدها، وما الذي سيتغيَّر في مسارات وتتابعات التاريخ؛ لذا يستحق ناصر أن يُعاد تأريخ فترته، ويستحق التاريخ (كتاريخ) إعادة النظر فيه وتنقيحه بناء على أبحاث جديدة لعلنا نجد إضاءات جديدة.

عُمان.. هي باختصار تاريخ زاخر، امتدَّ لمساحات جغرافية شاسعة وصلت شرق إفريقيا وسواحل باكستان وحتى الهند، هذا التاريخ يستحق الاهتمام به أكثر، وإقامة الدراسات وكتابة الأبحاث حوله؛ لأنَّ الفترات التاريخية مليئة بالأحداث والأماكن والشخصيات، وأتوقع أن الوضع يستحق إنشاء مركز للأبحاث يحتوي كل شيء عن التاريخ العُماني يقودة متخصصون بالتاريخ، ويهتم ويدعم الدراسات ذات الصلة، بل ويصدر مطبوعات وكتبا ومنشورات، مثل هذا المركز يوجد في العديد من دول العالم، وعُمان لها تاريخ كُتِب بأحرف من ذهب، وليست أقل من غيرها.

أتذكَّر كذلك كتاب "مذكرات أميرة عربية" بقلم السيدة سالمة بنت السيد سعيد بن سلطان -سلطان عُمان وزنجبار- وأثر هذا الكتاب في الأوساط التاريخية، من حيث رمزيته، والجدل المستمر حوله، وهو كتاب أرى أنه يستحق قراءته بعيون تاريخية مرات ومرات، وبغض النظر عما يحوي من أخطاء بسيطة كما يقول البعض، فهي أخطاء لا تُقلل أبدا من قيمته؛ فقد نقل هذا الكتاب قصة فريدة تختلط بها الدراما بالتراجيديا؛ حيث ينقل قصة لو لم يكن متأكدا من صحتها، لربما وضعت في باب الخيال!

لا نَنسَى أنَّ جلالة السلطان هيثم بن طارق هو في الأساس أحد المهتمين بالتاريخ العُماني، وشاهدت له حديثا قبل سنوات يتحدث فيه عن التاريخ العُماني، بشكل يدل على عُمق ثقافته وواسع معرفته بالتاريخ؛ لذلك أعتقد أنَّ بوجوده سيكون الأمر أسهل وأيسر.