"عاوزة أخرج ع المعاش"‎

 

 

أنيسة الهوتية

 

بعد آخر الأخبار حول "الخروج على المعاش" شعرت بالغبطة على الذين شملهم القانون، فعن نفسي أريد أن أخرج "ع المعاش" وأتقاعد وذلك لأنَّ الوظيفة تأخذ الكثير من وقتي، ولا تُعطيني غير المعاش، وأنا على يقين بأنَّ الساعات العديدة تلك أثمن من "معاشي" لو استطعت أن استثمرها لنفسي.

وخروجي على "المعاش" براتب تقاعدي ثابت يُغطي علي أقساط البنك مع القليل للمعيشة البسيطة بحد ذاتها نعمة كبيرة، خاصة وأني لست ممن يهوون "التفشخيرة" والتبذير والإسراف للمظاهر، وراحة نفسي أجدها في أبسط الأشياء حولي.

ورغم حبي لعملي إلا أنَّه لايُفرَّغ طاقاتي وأفكاري التي تحوم في عقلي كفراشات الربيع الملونة، وأرى كل فراشةٍ منها بمستقبل مشرق جميل يشع بالنور ناثراً التفاؤل والأمل حوله، ليس لي فقط بل أيضًا لمن سيتوظفون معي، وما ينقصني لإكمال تلك الإبداعات هو رأس المال الذي وإن تقاعدت حقوق نهاية الخدمة ستكون هي حجر الأساس في بناء عالم الفراشات.

وأمنياتي وأفكاري تلك ليس لعدم حبي لوظيفتي، بل لأنه أصبح يسري في دمي، تعودت عليه واتقنته لدرجة إن زاد حجمه وكثافته لا أشعر بالإرهاق بتاتاً وأحمله في حقيبتي أينما ذهبت ولا أكف يدي عنه على مدار اليوم فأصبح مثل الهواء الذي أتنفسه. خاصة وأنَّ إجادة العمل تساعد في اختزال الوقت والاستفادة منه، وهذه هي الوصفة السحرية في إنهاء الأعمال التي تأخذ أسابيع في أيام. ولكن يبقى موضوع الحماس والرغبة لمشروعي الخاص الذي إن استثمرت وقتي فيه سأستفيد أكثر، وأفيد أكثر، وطبعًا سر نجاح المشروع أن يكون مرغوباً في البيئة المحيطة مع الإدارة المتقدمة وتوفير بيئة صحية مليئة بالمحبة للموظفين، بالضبط كما تفعل الأم مع أبنائها وإن اختلفوا وتخالفوا.

ولربما ستكون هناك فراشة من نفس مجال مهنتي. وسأذكر رد أحد الأصدقاء حول الموضوع: "اللي إيده في الماي غير عن اللي إيده في النار"، والذي رددت عليه بأنّ لو كانت يدي في النار، سأكون أنا صاحبة القرار أن أستمر بوضع يدي فيها وأتحمل الألم، أو أسحبها وأعالجها وأخليها حرة في الهواء الطلق "بلاش ماي وبلاش نار"، وليس كل إنسان نشيط متفائل تكون الحياة قد ابتسمت له منذ ولادته، ولكنه بابتسامته يغير "تكشيرة" الحياة.

عن نفسي أتحدث، أول وظيفة ثابتة لي كان راتبي 60 ريالاً، وكنت أكمل تعليمي الثانوي بنظام الدراسات الحرة، وكان توقيت العمل من 8 ص إلى 3م، وبعدها كنت أعمل في تدريس اللغة الإنجليزية للأطفال في أحد المعاهد بدون تسجيل في القوى العاملة وبالمُقابل أدرس حصص إنجليزي متقدم، كمبيوتر، وطباعة مع دفع ثلثي قيمة الدراسة والثلث الأخير كانت مستحقاتي في التدريس تغطيهم، وبجانب ذلك كنت خياطة، حناية، كوافير، و"أمكيج عروسات" ففي التسعينات وبداية الألفين المكياج الكامل كان فقط للعروسة في بيئتنا، ومن ثمَ فتحنا مشروعاً تطوعياً بتوفير خدمات تزيين العروس غير المقتدرة مجاناً، وهنا هطلت البركة علينا أنا وصديقتاي.

واكتشفنا أنَّ عمل الخير النقي الذي لا يشوبه شيء هو السر الأساسي في النجاح، وكنَّا نستمتع بتلك الأوقات الشاقة ونضحك على أنفسنا ولا نتذمر، فقط نتمنى أن نحصل على وظيفة واحدة ثابتة براتب كاف للاستقرار. وفعلاً حصل ما تمنيناه إلا أن الاستقرار الوظيفي الروتيني والالتزام الإداري بالحضور والانصراف قتل الابتكار، والأفكار، والحيوية.

ولأجل ذلك أقول لكل مفكر ومبدع ومبتكر ونشيط، إذا لديك فرصة لفتح مشروعك الخاص أغتنمها وعِش شغفك لأنك ستنجح فيه إن اجتهدت و"عملت حساباتك صح" الوظيفة الثابتة ليست دائمًا هي طوق النجاة.