علي بن سالم كفيتان
قد يستغرب البعض من العنوان لأنَّ البرقيات ارتبط ذكرها بمرور الأعياد وتلاوتها بخلفيات صور وفيديوهات عبر وسائل الإعلام المحلية كنوع من الطقوس المُعتادة في كل عام وهذا أمر محمود، لكنني أكاد أُجزم أنَّ الأمر بات بروتوكولاً محضاً ولم نفتقد من النصوص التي اعتدنا سماعها سوى (وقوات الفرق الباسلة) التي كانت تشنف آذان آلاف الرجال المرابطين على تخوم ظفار وكانت تمثل عاملاً معنوياً كبيراً، حتى بات البعض ينتظر ليستمع لتلك الجملة متفاخرا بالدور الملحمي لمنتسبي هذه القوات في القرن الماضي.
فعندما أمعنت في الأمر وجدت أنَّ البرقيات ترفع لجلالة السلطان من كبار رجال الدولة والشيوخ وجموع المُواطنين، وبرقيتي هذه ليست ضمن مناسبة رسمية وأعلم أنَّها لن تتلى في نشرات الأخبار ولن تأخذ دور الصدارة في الصفحات الأولى لصحافتنا المحلية، وهذا لا يشعرني بخيبة أمل من إمكانية وصولها لمقام جلالتكم السامي- أيدكم الله.
إنَّ العهد المُتجدد بقيادة جلالتكم وخلال أشهره الأولى رسم صورة إيجابية فيما يتعلق بالمُعالجة الجادة للجانب الاقتصادي من خلال تقليص الإنفاق الحكومي ومعالجة أوجه الهدر ونعتقد أنّ القرار الأبرز هو إنشاء جهاز الاستثمار العماني، الذي سحب بساط الشركات الحكومية من تحت سيطرة وتحكم البعض، ووضعها تحت مظلة الجهاز الجديد الذي يتبع لمقام جلالتكم، بحيث يمكن إجراء تقييم شامل لتلك الشركات وإعادة هيكلتها وفق المصلحة الوطنية لضمان رفد البلد باحتياطيات مالية مجزية تقود إلى ما بات يُعرف بالقيمة المضافة التي سوف تقدمها الثروات الطبيعية في السلطنة للأجيال القادمة، فبيع الموارد في شكلها الخام دون مُعالجتها واستخلاص ميزاتها النوعية يعتبر هدرًا اقتصادياً كبيراً لمقدرات البلد.
إنَّ تقليص الموارد البشرية في القطاع الحكومي كان ضرورة ملحة في إطار الهيكلة الجديدة والوضع المالي للسلطنة، وقد سبق وأشرنا إلى ذلك في مقال سابق بعنوان "تطلعات للعهد الجديد"، من حيث استحالة ترشيق الحكومة دون تخفيف الحزمة البشرية التي تدور في فلك تلك المُؤسسات فهناك من بات يرى أنَّ هذا التقليص هو فرصة لوظائف جديدة للشباب مما يعني ضمناً تبادل مقاعد لا غير، وفي هذه الحالة لن تقل الكتلة البشرية المعتمدة على القطاع الحكومي ولن يكون هناك ترشيد للإنفاق من بند الرواتب، ولكي نكون منصفين في هذا التحليل نقول: بلا شك سيكون هناك تجديد دماء وامتصاص جزئي لقضية الباحثين عن عمل.
إنَّ إنشاء المكتب الخاص بجلالتكم- أيدكم الله- قوبل برضا تام من قبل الكثيرين ليقينهم بأهمية بناء جهاز مؤسسي جديد يعمل فيه نخبة من أصحاب الرؤى الواسعة والتفكير العميق والمُنظم متمتعين بدعم جلالتكم المباشر وناقلين لرغباتكم السامية إلى أرض الواقع دون تأخير ومتابعين لما يدور على الأرض العُمانية ونقله لجلالتكم بكل حياد ومصداقية، والإشراف الدقيق على تنفيذ رؤية "عُمان 2040"، وكنت أترقب تعيين متحدث رسمي باسم المكتب الخاص لجلالة السلطان؛ فالإعلام نافذة مهمة لاطلاع الجمهور على توجهات جلالتكم الإصلاحية، بحيث لا يتم تفسير أي أمر أو إجراء إلا وفق إطاره الصحيح وقطع دابر التأويلات وخلق البلبلة والفوضى العارمة التي أوجدها الإعلام البديل، الذي بات يعتمد عليه الغالبية العظمى من المتابعين في ظل ذبول الإعلام الرسمي وتواضع مستواه واعتماده على لغة خشبية لا تسمن ولا تغني من جوع.
وفي ختام هذه البرقية نؤكد لجلالتكم- أيدكم الله- أن الجميع بات متحفزا للخطوات القادمة ولن أكون مجاملاً إن قلت بأنَّ الله اختاركم لقيادة مرحلة صعبة للغاية لكنكم تملكون شعباً صبوراً وأرضًا طيبة، ونقول إنَّ سيدنا يوسف عليه السلام أنقذ مصر العظيمة من السنوات العجاف فوضع لها نصيباً من السنوات السمان، وأنتم يا مولاي ستبحرون بعُمان إلى مرافئ السلامة بإذن الله تعالى.
حفظ الله جلالتكم، ودامت عُمان واحة أمن واستقرار.