"الخروج من الفوضى" رصد شبه محايد لأزمات الشرق الأوسط منذ حرب 1973 حتى "الربيع العربي"

ترجمة- رنا عبدالحكيم

في كتابه المُعنون "الخروج من الفوضى.. الشرق الأوسط والتحدي الماثل أمام الغرب"، سعى المفكر والكاتب الفرنسي جيل كيبل إلى تقديم رصد شبه مُحايد لأزمات منطقة الشرق الأوسط منذ حرب 1973 وحتى فترة ما يسمى بـ"الربيع العربي" الذي اندلعت شرارته الأولى في أواخر ديسمبر 2010 ومطلع يناير 2011.

ويعد الشرق الأوسط من أكثر مناطق العالم تقلبًا. في السنوات الأخيرة، من التفاؤل ثمَّ خيبة الأمل الساحقة للانتفاضات العربية من خلال صعود وسقوط تنظيم داعش، الأمر الذي طرح تحديات أمنية على مستوى العالم. وفي ظل التهديد الإرهابي للمتشددين، والهجرة واسعة النطاق بسبب الحروب وتغير المناخ، والمنافسة الشرسة للسيطرة على سوق النفط، لا يزال الشرق الأوسط برميل بارود، ولذا يجيب الكتاب على سؤال: ما الذي أشعل عدم الاستقرار في المنطقة؟

"الخروج من الفوضى" يمثل رصدًا لتاريخ سياسي كاسح لأربعة عقود من الصراع في الشرق الأوسط وتداعياته العالمية. ويقدم جيل كيبل، الذي وصفته صحيفة نيويورك تايمز بأنَّه "أشهر العالمين بالإسلام في فرنسا"، رؤية واضحة ومقنعة للأسباب الطويلة الأمد للتوتر في المنطقة، مع دمج الملاحظات على أرض الواقع والتجارب الشخصية من الأشخاص الذين عاشوا خلال معهم.

وبدءا من حرب أكتوبر 1973 وحتى أعقاب الربيع العربي، ينسج كتاب "الخروج من الفوضى" الخيوط المختلفة التي تمر من خلالها سياسات الشرق الأوسط وتربطها بآثارها على المسرح العالمي. ومع رؤية متعمقة نابعة من عقود من الخبرة في المنطقة، يضع كيبل هذه العقود الفوضوية في مسارها الصحيح ويضيء ديناميكياتها الأساسية، كما ينظر في آفاق الخروج من هذا الاضطراب طويل الأمد، ومن أجل شعوب الشرق الأوسط والعالم لتحقيق مستقبل أكثر استقرارًا.

ويبدأ الكتاب بالتركيز على حقيقة أنَّ الصراع العربي الإسرائيلي قد حدد المنطقة، وساهم في ارتفاع حاد بأسعار النفط، وحققت دول بعينها أرباحا تعززت بموجة من المد المُتصاعد للآراء الدينية المتشددة. وكان العام الأكثر أهمية هو عام 1979، عندما بدأت الثورة الإيرانية وحصار الجامع الكبير في مكة، ومن هنا بدأت "منافسة قاتلة" بين طهران والرياض لم تتراجع حتى الآن. ومن بين الأحداث الكبرى التي شهدتها تلك الفترة غزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان، وتسريع تنقل أصحاب المُقاتلين المتطرفين الراغبين في التضحية بأنفسهم في معركة، هذه المرة ضد "وثنيين" من أوراسيا. وبعد سقوط جدار برلين، تمَّ إطلاق موجة أخرى، هذه المرة ليست ضد الشيوعيين الملحدين ولكن ضد آخر دولة عظمى واقفة. ويكتب كيبل: "إن الفكر الديني المتشدد في تسعينيات القرن الماضي، استبدل الولايات المتحدة بالاتحاد السوفيتي، القابع الآن في كومة رماد التاريخ، فاعتبرت هذه التيارات أمريكا عدوها الرئيسي". وبلغت هذه الموجة ذروتها مع هجمات 11 سبتمبر، وانحسرت بشكل كبير حتى قبل أن تقتل القوات الأمريكية أسامة بن لادن في مخبئه في أبوت آباد، بباكستان.

ويقول كيبل إنَّ الربيع العربي دفع المنطقة في اتجاه آخر، لكن هذه المرة تولد بصيص أمل زائف بأن الأنظمة الاستبدادية من ليبيا إلى سوريا قد تفسح المجال أخيرًا لما يمكن أن يُشبه حكومة نيابية ديمقراطية. لكن تونس وحدها – بفضل عقود من الاستقرار البرجوازي – كانت هي الاستثناء.

وبدأت الفترة التالية عندما استقر داعش من حيث توقفت القاعدة وتحسنت، إذا كانت هذه هي الكلمة، على سلفها من خلال غزو وحكم الأراضي في سوريا والعراق وإلهام الشباب المسلمين المحرومين في أوروبا لقتل جيرانهم. يقول كيبل: "الجهادية كانت في كل مكان في وقت واحد حول حوض البحر الأبيض المتوسط، والتي أصبحت منصة إطلاقها للموجة الإرهابية في عام 2010، بمُساعدة تذاكر الطيران المخفضة والطائرات المتوسطة المدى".

ويرى كيبل أنَّ حقبة جديدة قد بدأت- بهدوء حتى الآن- بهدم "خلافة" تنظيم داعش وحرب نفوذها ومكانتها. لقد وجد الشرق الأوسط نفسه في نقطة انعطاف أخرى، ليس فقط لأنَّ الإرهاب قد أُخمد إلى حد كبير مرة أخرى، بل لأنَّ دول الخليج العربي بدأت في تنفيذ إصلاحات وتنأى بنفسها أخيرًا عن الفكر المتطرف المحافظ للغاية.

وليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت المنطقة تضغط على زر الإيقاف المُؤقت أو على عتبة مستقبل أقل كآبة. لكن ثمة أسباب تدعو للأمل في كتاب كيبل، على الرغم من أحد لم يراهن في أي وقت مضى على التفاؤل في هذا الجزء من العالم.

تعليق عبر الفيس بوك