بعض الجوانب الإنسانية لجائحة "كوفيد- 19"

 

د. رقية بنت إسماعيل الظاهرية

طبيبة في قانون وأخلاقيات مهنة الطب

مركز عمليات إدارة بيانات كورونا

 

لا يزال فيروس "كوفيد- 19" يُواصل مآسيه؛ رحيل صامت بمشهد مهيب، يودع الأهل أحبابهم بلا عزاء أو مُواساة ليواجهوا ألم الفرق، الجائحة تقتل مرتين تخطف الأقارب من ذويهم، وتحرمهم إلقاء النظرة الأخيرة على أقرب النَّاس، فلا نظرة وداع تشفي غليل أقارب الغائب وأحبابه فتستعر نار الشوق والحزن في آن واحد وكأنَّ الجائحة تضاعف حزنهم بالحرمان من لمس أحبتهم قبل التشييع إلى مثواهم الأخير.

دفن وفيات المصابين يعتبر الجزء الأكثر حزنًا وألما في جائحة كورونا، حيث إنَّ سرعة انتشار هذا الفيروس من شخص لآخر كبيرة وهناك خوف من تفشي العدوى من جثث الأموات إلى الأحياء خلال مراحل عملية الدفن، دفع الجهات المعنية والكادر الطبي إلى إصدار سياسات شاملة في كيفية التعامل مع دفن جثث المصابين.

وعلى وقع مشاعر الخوف والهلع، يفجع الأهل بخبر الوفاة بسبب الفيروس، فيفرض بروتوكوله الصارم فتمضي الجنائز بلا طقوسها المُعتادة، وجثمان الفقيد يوارى الثرى في مشهد مهيب يقطع الأنفاس بلا مُعزين ولا مُصلين إلا من ندر منهم، ويتصبر أهله على مصابهم الجلل بلا مواساة تداوي حرقتهم. هنا تظهر قسوة كورونا حين يخطف منِّا أحبتنا ويستعمر أجسادهم أحياءً وأمواتاً، حين يمضي الجثمان وحيدًا لا يتبعه إلا قلة من المقربين تفادياً لانتشار العدوى يراقبون عن بعد كيف يردم أحبتهم، مؤلم حقًا ألا نوسد أحبتنا بأيدينا لنطمئن عليهم في نومتهم الأخيرة.

تكاد تكون هذه المواقف هي أصعب المواقف التي مرَّت علي في حياتي العملية، دائماً الموت له هيبته وفقدان شخص عزيز أمر في غاية الصعوبة على الأهل ومشاعر الحزن والشعور بالفقد مؤلم، والرضا بالقضاء والقدر هو أمر واجب ولكن تختلف ردات فعل الأشخاص في تقبل رحيل شخص عزيز. ولا شك أننا نُواجه تحديات في إقناع الأهل في البداية كون وضعهم النفسي صعب جدًا ونحن نتفهم ذلك بل نشاركهم الحزن والألم والموقف مرهق نفسياً ليس فقط على الأهل بل على الكادر، لذا نحاول تسريع دفن المتوفي حفاظاً على سلامة الأهل والفريق المختص بالدفن.

هذه التجربة التي صنفت بالجائحة على مستوى العالم أثبتت صلابة الشعب العماني المؤمن بقضاء الله وقدره وأنه شعب يثق بقرارت اللجنة العليا المختصة بالجائحة والحكومة على حد سواء ونلمس هذا التعاون ونرى كيف يتعاون الأهل مُسلمين كافة التسليم المطلق بأمر الله عزَّ وجلَّ، ومن هنا يقوم قسم مكافحة العدوى والوقاية بالتنسيق مع الجهات المختصة بالتعاون لدفن ضحايا هذا الفيروس حسب الإجراءات الوقائية والدفن في المقابر المحددة لذلك. 

لقد حرمتنا هذه الجائحة من إقامة عزاء، حيث إن من عاداتنا الإسلامية زيارة أهل الفقيد لتقديم التعازي والمواساة والتخفيف عن أهل الغائب، فشعور الفقد لا يشبهه شعور، ما أقساك يا كورونا حرمتنا اجتماع أقرب المُقربين لتقديم واجب العزاء والمساندة النفسية، فأي مصاب جلل فلا مجالس للعزاء الجماعي واقتصرت التعازي عن طريق الهاتف أو الوسائل الأخرى.

هكذا تشاء الأقدار أن يفقد المرء أقاربا وأحبابا في زمن هذه الجائحة، وتكون غاية أمانيه رسم قبلة على جبين الفقيد، لكنه لا يستطيع لذلك سبيلاً. ويحدث أن يرغب الجار في الانضمام إلى جاره لعناقه ومشاركته أحزانه، لكن شعورا بالعجز يتملكه ليكتفي بالنظر إليه من نافذة البيت ويستسلم للتوجع في خلوته.

رغم هذا وذاك، وبعزاء أو بدونه، تبقى ذكرى موتانا طيبة في النفوس والقلوب تغسلهم دموع مآقينا تعطرهم ألسنتنا وقلوبنا بالدعاء الصادق رحمهم الله لن يزورها النسيان ولن تمحيها السنين ولكننا سوف نتجاوزهذا البلاء بإذن الله.

ستمر هذه الجائحة وكأنها لم تكن يوماً فلابد من الثقة بالله وعدم اليأس وسيرفع هذا البلاء عنَّا، سيتلاقى الأهل والأحباب وستفتح بيوت الله وستعود الحياه إلى مجراها، يجب على كل فرد أن يستشعر حس المسؤولية والفترة الماضية كانت كافية لنشر الوعي بين النَّاس للتعايش مع الفيروس والآن نبدأ تطبيق مفاهيم العودة للعمل واتباع الإرشادات الوقائية وعلى الناس أن يستشعروا المسؤولية لتقليل أعداد الإصابات، خطر كهذا يرمي بالمسؤولية على عاتق كل فرد من أفراد المجتمع من أجل المساهمة في هذه الجهود وتحويلها إلى جهود جماعية لتحييد هذه الجائحة ومن ثم هزيمتها، الفرح قادم بتعاضدنا والتزامنا وعافية الوطن هي قرارنا.

تعليق عبر الفيس بوك