التقاعد والتعمين

 

 

فاطمة الحارثية

ثمَّة الكثير من الاشتراطات التي عقَّد بها الإنسان حاله، أو ربما استخدمها لإراحة ضميره عند اتخاذ أي قرار من شأنه أن يخلق ردودَ فعل مُتباينة من قِبل الناس، خاصة فئة "مُطلقي الأحكام"، أو مِمَّن يتوهَّمون بأنَّ ثمة مصلحةً ما لهم، أو يعتقدون أنَّ آراءهم مُهمَّة ومُؤثِّرة، لنتَّفق على أمر، الرزق من عند الله، وليس لأحد أن يقطع رزقًا أو يُزيد رزقًا أو حتى يُقسم رزقًا، ومن يعتقد ذلك أو يتوهَّم بامتلاكه تلك القدرات والقوة الإلهية فلينتبه؛ لأنه قد دخل في خطأ جسيم وعظيم، إنَّ الناس لا يملكون شيئا ليعُطوا، ولم يَخلِقوا ليوزعوا، وليس بالمقدرين ليدركوا المقدار الواجب، والمُكلف مُؤتَمَن لا سلطة حقيقية دائمة لديه ولا حول.

ما هُو الإصلاح؟ أو كيف للجماعة أن تَبنِي حلولًا ذكية طويلة المدى عميقة التأثير جوهرية التغيير؟ بكل بساطة أن يجمع بين تعريفات وتجارب الناس المختلفة ليدمجها ويأتي أو يُشكل المناسب للوضع الذي يرغب بإصلاحه أو يرى وُجوب تقويمه. إذن نحن بحاجة إلى عقول تستطيع أن تُلجِم غرور التفرد والسعي الغريب، ولديها القدرة على جمع البيانات المختلفة لتشكيل مجموعة حلول بالتحليل والإجماع، ليتم استخلاص المناسب لكل موقف. نعلم أنَّ "كوفيد 19" أتى على الحياة الأسرية، والاجتماعية، والاقتصادية، والتعليم، والصحة، وأثر على كل ما يُهم الانسان، وماذا فعلنا نحن البشر له؟ تباينت ردود الأفعال، واستطاع "كوفيد 19" أن يُحقق تباينًا كبيرًا في مسيرة الناس والشعوب ودولها، حتى إنَّ ثمة من استفاد منه كثيرا وهناك من أخفق بقوة.

إنَّ الأعمال لم تقُل هذا إن لم تكن الحاجة في ازدياد لردم القصور والتأخير، وإن قامت المؤسسات بالاستغناء عن بعض موظفيها، فقد يقود الأمر إلى أن يحصل ضغط عمل على الأفراد ممن بقُوا على رأس أعمالهم لتقل الجودة، وبالتالي الإنتاج، فالخسائر.. التسرُّع هو من أخطر الطرق التي بالفعل قد تؤدي إلى أنْ تعلن المؤسسات إفلاسها أو تكالب الخسائر والعجز عليها. أرى أن أول ما يُطرح هو: كيف كان وضع الموارد البشرية قبل "كوفيد 19" في عمليات رفع الإنتاج وزيادة الدخل لديك؟ وبعدها باقي الأسئلة التحليلية كوضع السوق، وهل هو بالفعل ألغى الحاجة إلى منتجاتك؟ وهل الضرر من السوق أو من الأعمال الوقائية التي قامت بها الدولة؟ قِف لتقرِّر، وفكِّر بعُمق قبل أن تستغني عن موظفين قد لا تجد مثلهم بسهولة، وليس لديك مُتسع من الوقت والمال لتدريب غيرهم؛ فالجامعات أخفقتْ بأن تعطي الأسواق مخرجات جاهزة للعمل دون تكلفة تدريب. ثمة تجارب وحلول تثير الإعجاب من بعض المؤسسات التي بالفعل استطاعت أن تستثمر تحديات الجائحة، ولم تسمح لـ"كوفيد 19" أن تفرض عليها قيد الخسائر في سجلاتها بسهولة، بل تحكَّمت بدهاء الاقتصادي الناجع وروح الجسارة والصمود. وهذا ليس غريبا على حكمة قادة وموظفي تلك المؤسسات؛ حيث حولت فئات "موظفي الخدمة الطويلة" إلى مُدرِّبين ومُقيِّمين وهيئات استشارية، في المقابل استغنت تلك المؤسسات عن معظم عقود التدريب الخارجية والتقنية والاستشارات العامة، مما وفَّر عليها مئات الآلاف من المصروفات، وقامت بالكثير من عمليات الإحلال الذكي بين موظفيها؛ مما ردم النقص والفروقات التي أوجدها اعتزال من أراد المغادرة دون الاستغناء عن أي موظف بصورة مباشرة. إنَّها مؤسسات استطاعت أن تُدرك بذكائها الاقتصادي أنَّ "كوفيد 19" تحدٍّ يُعلِّم المؤسسات والشركات النقص الذي في المؤسسة أكثر منه مُدمرًا، هذه هي الإيجابية الحقة والحلول الابتكارية، وليس مثل ما نشهده من إخفاقات البعض التي إن استمرت فقد تُعيدنا اقتصاديا مئات السنوات إلى الوراء في مجالاتها.

إنَّنا دولة نهضة بالتكاتف والذكاء الاجتماعي والاقتصادي سوف نستمر بالنمو، أما بالأعمال غير المدروسة والحلول المتسرِّعة فسوف نجعل لـ"كوفيد 19" مقبرة للكثير مما اجتهدنا للوصول إليه، ومفهوم الهدم من أجل البناء أثبت تكلفته الباهظة جدا في الوقت والمال، في المقابل الإحلال وإدارة التغيير أثبتت التوازن الذي يحافظ على التكلفة، وإعادة البناء دون مضيعة للوقت والجهد والوجود الاقتصاد في الأسواق، والموازنة التي تُعطيه في ردم العجز المالي والحيلولة دون اتساعه.

----------------

جسر:

للأسئلة حياة، وسوف أطرح بعضا مما في جُعبتي: ما هو العدد الفعلي المؤهل للعمل في السلطنة؟ وهل هو عدد كافٍ لاستمرار البناء والتوسُّع الاقتصادي وبناء الثقافة والعلامة التجارية التي نطمح لها؟ وما مقدار الخبرات المتراكمة لدينا؟ لماذا نركِّز كثيرا على مصادر الدخل وليس على تعدُّد امتيازات المنطقة؟ لعُمان بصمة وتُعرف عالميًّا بالكثير، ما مقدار استثمارنا في ذلك؟ أين مفهوم الرقابة الذكية؟ وما هو وضع الاستثمار الابتكاري والتوازن بينه وبين المُعتقد؟ أين نحن في معيار التميز ومتى سيقف التقليد؟