من بينها "هل الأخلاق مهمة؟".. 3 كتب حول الغرض الأخلاقي للسياسات الأمريكية

◄ الأخلاق مستحيلة في السياسة الخارجية.. والادعاء بذلك مدمر

◄ حرب فيتنام وصمة غير أخلاقية في مسيرة الرئيس ريتشارد نيكسون

◄ كيسنجر تجسيد حي للثقافة الأوروبية المؤمنة بالقيم الأخلاقية الغربية

◄ فشل ترامب سيكون أسوأ من إخفاقات "المحافظين الجدد" إبان حكم بوش الابن

ترجمة - رنا عبدالحكيم

تُنَاقش 3 كتب ثريَّة المحتوى الغرضَ الأخلاقيَّ للسياسات الأمريكية، وتُجيب عن العديد من الأسئلة المتعلقة بمدى ارتباط تلك السياسات بالضوابط الأخلاقية؛ من خلال استعراض جدلي لمختلف وجهات النظر حول هذه المسألة.

ففي الكتاب الأول المعنون "هل الأخلاق مهمة؟ الرؤساء والسياسة الخارجية من روزفلت إلى ترامب" لمؤلفه الكاتب والباحث الأمريكي جوزيف ناي، يبدو وكأنه سؤال محدد بشكل خاص لطرحه ومقارنته مع الرؤساء الأمريكيين بمن فيهم الرئيس الحالي دونالد ترامب، الذي نادرا ما يشغل نفسه ببذل جهد لتبرير أفعاله بلغة الأخلاق. وبحسب استعراض للكتب نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، فإنَّ تصرفات وخطاب ترامب حتمًا تغير صورة الولايات المتحدة حول العالم. وهذه التصرفات أيضا تدفع المحللين الأمريكيين للتعامل مع الأسئلة الصعبة حول الغرض الأخلاقي للسياسة الخارجية الأمريكية؛ وهي القضية التي يعالجها كل من مايكل كيميج وجوزيف ناي وباري جوين من زوايا مختلفة في كتبهم الثلاثة الجديدة.

3.jpg
2.jpg
1.jpg
 

السياسة الخارجية

وفي كتاب "التخلي عن الغرب: تاريخ فكرة الأخلاق في السياسة الخارجية الأمريكية" يجادل مايكل كيميج، وهو دبلوماسي انتقل إلى المجال الأكاديمي، بأنَّ الغرب ككل فقد الثقة في أخلاقه الخاصة، وفي قيم عصر التنوير. وبهذا المعنى، يُعد ترامب نتيجة منطقية لاتجاه طويل الأمد من التخلي عن القيم. ويرى كيميج فيما يتعلق بعدم المبالاة بالحريات وازدراء القانون في الداخل والخارج، أن دونالد ترامب "هو أول رئيس غير غربي للولايات المتحدة".

وعلى النقيض من ذلك، يُجادل باري جوين في كتابه "حتمية المأساة.. هنري كيسنجر وعالمه" -وهو متعاطف مع هنري كيسنجر ثعلب السياسة الأمريكية ووزير الخارجية الأسبق- بأن النقاء الأخلاقي أمر مستحيل في السياسة الخارجية. ويقتبس من هانز مورغنثاو صديق كيسنجر ومعارضه في بعض الأحيان: "إن فعل الادعاء في حد ذته يدمر سلامتنا الأخلاقية".

لكن بالنسبة لجوزيف ناي في كتاب "هل الأخلاق مهمة؟"، فإنَّ الحجة القائلة إنَّ السياسة الخارجية تتعلق ببساطة بالسعي غير الأخلاقي لـ"المصلحة الوطنية" هي فكرة بسيطة للغاية. وبصفته مخترع فكرة "القوة الناعمة" -التي تعني أن الولايات المتحدة يمكن أن تعزز مصالحها من خلال قوتها الدبلوماسية- يعتقد ناي أن القوة الأمريكية معززة، إذا تم النظر إلى الولايات المتحدة على أنها طرف أخلاقي. ويعتقد البروفيسور ناي العميد السابق لكلية كينيدي للعلوم الحكومية بجامعة هارفارد، والذي خدم أيضًا في الإدارة الأمريكية، أن الاعتبارات الأخلاقية في العالم الحقيقي تلعب حتمًا دورًا في صنع الشؤون الخارجية. ويقتبس ناي من مسؤول بريطاني يشارك في سياسة الأسلحة النووية، حجته بأن "المساءلة الأخلاقية جزء أساسي مما يعنيه أن يكون إنسانًا".

 

النوايا الحسنة

وبالنسبة إلى ناي، فإن النوايا الحسنة ليست كافية، كما يميز بين "الأخلاقية" (استخدام اللغة الأخلاقية والمنطق) والأخلاق. لكنه ليس ميكيافيليا بالكامل، إنما هو شخص يعتقد أن النتائج فقط هي المهمة. وبدلاً من ذلك، يقيم الكاتب الرؤساء الأمريكيين، من فرانكلين روزفلت ومن جاء بعده، وطريقة تعاملهم مع النوايا والوسائل والنتائج.

ويصنف ناي الرؤساء الأمريكيين وفق "بطاقة الأداء الأخلاقية"، وكما هو متوقع، فإن أداء ترامب ليس جيدًا؛ حيث حصل على تصنيف "جيد" في استخدام القوة ("النسبة والتمييز والضرورة") في الخارج. وفي ستة تدابير أخرى- بما في ذلك الدوافع والقيم والصدق- فإن الحكم على الرئيس الأمريكي الحالي يجب أن يكون إما "ضعيف" أو "مختلط". لكن من المدهش أن ترامب لا يأتي في قاع القائمة.

في حين أنَّ ليندون جونسون وريتشارد نيكسون -أحد الرؤساء الذين خدم كيسنجر معهم (الرئيس الثالث كان جيرالد فورد)- حصلوا على تقييمات أقل، مع تصنيف "غير جيدين" أو "مختلطون" من جميع النواحي. وينتقد المؤلف بشكل خاص الطريقة التي ذهب بها نيكسون وكيسنجر نحو إنهاء حرب فيتنام، بحجة أن الآلاف من الأرواح فقدت دون داعٍ، لتأمين "فترة لائقة" لإنقاذ ماء وجه أمريكا خلال الفترة التي شهدت رحيل القوات الأمريكية وسقوط فيتنام الجنوبية.

من ناحية أخرى، فإنَّ ناي ينسب إلى نيكسون وكيسنجر إنجازات مهمة في السياسة الخارجية على وجه الخصوص، ومنها الانفتاح على الصين والوفاق مع الاتحاد السوفيتي.

إذن؛ رُبما الأخلاق ليست بهذه الأهمية، بعد كل شيء؟ وهذا هو السؤال الذي يتعامل معه باري جوين في كتابه المنظم وغير المركزي، لكنه جذاب للغاية "حتمية المأساة". وكما يرى جوين، فإن نظرة كيسنجر للعالم قاتمة، لكنها أخلاقية؛ حيث تمثل هدفه الأساسي في تجنب الحرب النووية وهو هدف أخلاقي أصيل. غير أن كيسنجر يعتقد أن السلام يتحقق على أفضل وجه من خلال إقامة "توازن القوى" بين الدول بحجة أن "كل السياسة الخارجية الجادة تبدأ بالحفاظ على توازن القوى".

وميزان القوى بين الدول هو مفهوم غير أخلاقي، ولا يأخذ بعين الاعتبار ما إذا كانت الدول المعنية ديكتاتورية أم ديمقراطية. وهذا المفهوم يقلص الفكرة الليبرالية التي تربط بين تعزيز الحريات والسلام، بل إنها تتجاهل فكرة أنه في بعض الأحيان، يمكن أن تؤدي الانتخابات الديمقراطية إلى نتائج تهدد ميزان القوى، وهو درس استخلصه كيسنجر من حياته ونشأته في ألمانيا النازية التي شهدت صعود هتلر بانتخابات ديمقراطية.

عواقب الديمقراطية

وظلَّ كيسنجر يحذر من عواقب الديمقراطية طوال حياته المهنية كرجل دولة. ولم يحاول جوين في كتابه تقديم سرد شامل لدبلوماسية كيسنجر، لكن بدلاً من ذلك، يدرس محطتين مهمتين في السياسة الخارجية الأمريكية في عهد كيسنجر، ولا سيما دور أمريكا في إسقاط وموت الرئيس الاشتراكي المنتخب ديمقراطياً لشيلي، سلفادور أليندي.

لكن، كرجل دولة أمريكي متجذر في الثقافة الأوروبية، يمكن اعتبار كيسنجر بالتأكيد تجسيدًا لـ"الغرب". وكما يرى كيميج، فإن فكرة الغرب ككيان ثقافي وسياسي متميز، تغلغلت في السياسة الخارجية الأمريكية طوال الحرب الباردة. وكان كيسنجر منغمسا في مجموعة من الأفكار التنويرية التي تم تمريرها من خلال مناهج "الحضارة الغربية" التي أصبحت إلزامية في الجامعات الأمريكية الرائدة بعد الحرب العالمية الأولى.

ومع ذلك، وبحلول أواخر الستينيات من القرن الماضي، يعتقد كيميج أن النخب الغربية فقدت الثقة في سردها الثقافي. ومع تغير الجامعات- وإلغاء مناهج الحضارة الغربية لصالح منهج عالمي أكثر شمولية، ظهرت نخبة سياسية وثقافية جديدة لم تعد قائمة على نظرة الثقة بالنفس لما يمثله الغرب.

النظام الليبرالي

ونتيجة لذلك، اتخذ صناع السياسة الأمريكيون قبل ترامب مهمة الدفاع عن "النظام الدولي الليبرالي" وهو مفهوم تكنوقراطي غير قادر على تعزيز الولاء أو التفاهم بين الشعوب. كما أن اليمين الأمريكي "تخلى عن منهج جيفرسون الغربي للحرية والتعددية وسيادة القانون لصالح الغرب العرقي- الديني- القومي" الذي دافع عنه ترامب.

ويعتقد القوميون المؤمنون بشعار "أمريكا أولاً" ويحيطون بترامب، أن دمج الصين في النظام العالمي كان في الواقع خطأ مأساويًا. ونتيجة لذلك، يبدو أن الولايات المتحدة تحولت بشكل قاطع ضد الإنجاز الأكثر شهرة على نطاق واسع في عصر كيسنجر ونيكسون، ألا وهو تقارب أمريكا مع الصين.

وختاما.. إنَّ التنصل من حزبه الجمهوري ليس تجربة جديدة لهنري كيسنجر، ففي عهد جورج دبليو بوش، كان المحافظون الجدد -الذين آمنوا بنشر الديمقراطية- يتزايدون، وانتقدوا كيسنجر باعتباره متشائمًا غير أخلاقي. وفي عهد ترامب، أصبح إيمان كيسنجر بتوازن القوى مما يمكن وصفه بأنه إيمان "عفا عليه الزمن"، لأنه يتعارض مع القومية (أمريكا أولا) وسياسة المواجهة مع الصين. ومع ذلك، يبدو من المرجح أن يفشل ترامب في النهاية بصورة أكبر فشلا من المحافظين الجدد. وربما يضحك كيسنجر الساخر مرة أخرى!

تعليق عبر الفيس بوك