إعلامنا العُماني بعد "كورونا"

 

 

القنوات الفضائية لن يُكلف تأسيسها سوى 7 ملايين ريال مع تخصيص مبانٍ لها، ثم توالي الدعم السنوي الثابت لها بواقع مليون ريال لكل قناة

 

علي بن مسعود المعشني

Ali95312606@gmail.com

شهد الإعلام العالمي قفزات نوعية كبيرة عبر مراحله وتاريخه وأطواره، وكانت أكبر قفزاته المُؤثرة هي التحول إلى البث الفضائي حيث أصبح بإمكان كل إنسان على وجه المعمورة متابعة قنوات وإعلام أي بلد في العالم بحسب اهتمامه وثقافته ووعيه، وفي كل طور من أطوار الإعلام نعتقد أنَّه طور بلوغ الكمال والنهاية له، ولكن لم يكن يدور في أذهان الكثير من النَّاس أن وسائل الإعلام ستصبح جميعها على شاشة هاتف ذكي بفضل تطور التقنية وتسارع وتيرتها.

تحول الإعلام وبسرعة كبيرة من وسيلة تعليم وتعلم ونقل خبر إلى وسيلة أخطر وهي صياغة العقول وتشكيل الوعي بلوغًا إلى السيطرة على السلوك للفرد غير المُحصن وقيادة الرأي العام، لهذا رأينا الربيع العبري ومافعله بأوطاننا وشعوبنا العربية حين تحكم في عقولنا وقاد سلوكنا نحو تدمير الأوطان بزعم التَّحرر والانعتاق من قيود وأغلال الاضطهاد والظفر بعالم وردي ملئه الحريات والعدالة والقيم الإنسانية. لم يكن للإعلام في زمن الربيع العبري أن يقود حروب الجيل الرابع بامتياز في أقطارنا العربية الحيوية منذ عام 2011م، ولغاية اليوم، لولا الفراغ المُرعب الذي وجده شاغرًا نتيجة الغياب الكبير لرسالة الإعلام الوطني وتحوله الطبيعي من إعلام حكومة إلى إعلام دولة بكل المعايير والمقاييس العلمية والعقلية المعروفة، وانهماكه الشديد في التسويق لمفردات التنمية في ظل غياب تام لرسالة الإعلام وأثره في صياغة العقل وقيادة الوعي وفق طور الدولة وممكناتها وطموحها. الإعلام منظومة متكاملة من الأدوات والأهداف، وغياب أي أداة منه مادية أو بشرية يعني بالضرورة إسقاط هدف وترك فراغ يملؤه الآخر الأقوى ويفرضه عليه ويتحكم بوعي المجتمع في ظل الفضاء المفتوح والإعلام العابر للقارات بلا استئذان فالقاعدة الذهبية تقول: لا فراغ في الحياة.

بعد عام "النكبة العربية المعاصرة 2011"، لاحظ الجميع مظاهر انتشار إعلامي فضائي عربي غير مسبوق رسمي وخاص، أغلبه واضح المعالم والهدف حتى في تفاهته، كون بسط التفاهة والسطحية فن يقوده الإعلام إن أريد له ذلك، وبقينا نحن في سلطنتنا الحبيبة محلك سر في مُواجهة تلك الموجات الفضائية الضخمة والتي شكلت جيوشا وإعلاما موازيا لاحقًا اسمه الإعلام الاجتماعي، وهذا الإعلام الاجتماعي هو في الحقيقة إعلام من لا منبر له، ولكنه يُمكن أن يتحول ببساطة إلى سلاح منظم تديره جهات لها مصالح ورؤى واضحة متسترة خلف "براءة" الإعلام الاجتماعي وسماته الشخصية. ما لاحظته شخصيًا بعد عام النكبة العربية هو انتشار الفضائيات الخاصة العربية بشكل كبير، ولكن المُلاحظ كذلك أنَّ بعض الأقطار العربية دعمت هذا التوجه وشجعته للتنصل من تبعات ومتابعات وإحراجات ما يصدر عن إعلامها الرسمي فقام الإعلام الموازي الخاص بهذا الدور إضافة إلى قيامه بدور تشجيع الإعلام الرسمي للخروج من شرنقة التقليدية والتي لم تعد مقبولة من متابعي الإعلام اليوم في ظل وجود بدائل لا تُحصى.

المطلوب منِّا اليوم في سلطنتنا الحبيبة هو التركيز على دعم وتشجيع قيام إعلام خاص مرئي ومسموع، تكون مُهمته قيادة الوعي وتبصير الرأي العام وبما يتناغم مع مصلحة الدولة ودون إفراط أو تفريط، وعلى قاعدة ما لا يُدرك كله لا يُترك جُله. فالسلطنة بتاريخها ومكانتها ومقدراتها الطبيعية والبشرية مادة إعلامية خام لكل من يعرف الإعلام ويتعامل معه، وليس من المنطق والعقل أن يُترك هذا الكنز بلا توظيف وإشهار إعلامي علمي ومدروس. وتأسيس قنوات فضائية اليوم أصبح في متناول الجميع تقريبًا ممن يمتلكون الكثير من التخطيط والطموح والفكر، وتبقى المعضلة في التمويل المالي وهو زهيد في معيار الدولة ومدر لها، فمبلغ مليون ريال عُماني سنويًا كفيل بخلق قناة فضائية مُستقلة تُسمع العالم صوت عُمان وصورتها بما يليق بها وتستحق.

وكل مانتمناه من حكومتنا الرشيدة أن تخطو بجدية نحو تشجيع ودعم نشوء هذه القنوات لما لها من أهمية وضرورة في زمن الإعلام ولا شيء غيره. ولننطلق بسبع قنوات كمثال تحمل أسماء: مسقط، نزوى، صحار، ظفار، مسندم، صور، البريمي. لن يكلف تأسيسها سوى 7 ملايين ريال مع تخصيص مبانٍ لها، ثم توالي الدعم السنوي الثابت لها بواقع مليون ريال لكل قناة لتغطية تكاليف حجز القمر والتكلفة التشغيلية، في تصوري إن قيام هكذا قنوات سيُساهم وبقوة في إبراز اسم السلطنة في المشهد الإعلامي العربي والعالمي، وسيبرز القدرات العُمانية ومقدرات السلطنة الطبيعية من سياحة وتاريخ ومعالم وأعلام وفنون وثقافة...إلخ وستكون أدوات تحصين ودفاع عن السلطنة ومكتسباتها وثوابتها السياسية والقيمية الموروثة.

قبل اللقاء: الإعلام اليوم لم يعد أداة تنوير ومعرفة، بل أضيف عليها الإشهار وحماية الأمن الثقافي والفكري للمجتمعات.

وبالشكر تدوم النعم..

الأكثر قراءة