آداب.. وقيم إنسانية!

 

يوسف عوض العازمي

"إنَّ الأدبَ في لُبابه قيمة إنسانية وليس قيمة لفظية" - عباس محمود العقاد

أحد الأصدقاء يحكي لي قصته، وأنه فكر أن يكتب رواية طويلة، وعندما حضرت الفكرة احتار بها: هل يكتب رواية سياسية أو اجتماعية؟ من الخيال أم يستمدها من الواقع؟ وهل سيسأل أحدا من المختصين ليسألة عن تقنيات الكتابة -يقول أحد النقاد إنه لا يعرف رُوائيًّا بارزًا قد درس وتعلم الرواية!- ومنهجها؟ وهل الرواية لها منهجية كالأبحاث العلمية، أم أنها قصص وقيل وقال وارتجال...وغير ذلك من المتشابه؟

ثمَّ تذكَّر أنَّ هناك نوعًا ازدهر في العقود الأخيرة وهو كتابة رواية، لكنها في الحقيقة سيرة ذاتية للكاتب نفسه، أي أنَّه لاعتبارات معينة قد تكون اجتماعية أو سياسية أو على الأقل لحفظ أمانة المجالس؛ فقد قرَّر الكاتب كتابة سيرته الذاتية على شكل رواية، وعندما قرَّر وَجَد أنَّه لا توجد لديه من الإنجازات ما يؤهله ويعطيه العذر كي يكتب سيرته الذاتية!

فلا هو صاحب المنصب الذي حارب الفساد، ولا هو صاحب الإنجازات التي تستحق تخليدها بسيرة ذاتية تستفيد منها الأجيال.. إذن: هل يكتب فقط لملء الورق بأمور لا تهُم القارئ؟ أم يختلق مواقف لم تحدث والشهود أموات؟ وتتكون بذلك حبكة سيرة ذاتية شهودها أموات!

يَحكِي لي أحد المُختصِّين أن الرواية كفنٍّ لها أدواتها.. فنٌّ يعتمد في الأساس على الموهبة، وبعدها الدراسة؛ لذلك من طبيعي أن يكتب رواية لتكون شاهدا، ولا بأس إذا كان يملك الأدوات اللازمة.

لا ننسَ أيضًا أنَّ هُناك أعمالًا روائية كانت متميزة، وهي التي تُوثِّق حقبة زمنية معينة، تصف وضعًا اجتماعيًّا من الصعب تسليط الضوء عليه بشكل عام، تلعب بساحة أحداث سياسية غيَّرت مسار التاريخ، مثل هذه الروايات أقرب إلى التوثيق منها إلى الرواية.

تحدَّثتُ معه عن زوايا التحركات الممكنة للالتفاف على الإحراج السياسي/ الأمني/ الاجتماعي، فوصلنا إلى أنَّ الوضع قد يسمح، لكنه قد يحمل كتابة مبهمة، وسيرة متقطعة الأطراف، ولن تُقنع حتى كاتبها بالحبكة والسبك المنثور على الصفحات؛ فكان الأمل هو إعادة التوجه وقراءة لما سبق من روايات -يعتقد- أنها أساسا سيرة ذاتية تم تعديلها وإعادة صياغتها لتكون واجهة روائية، وليست مذكرات أو ذكريات أو حتى تذكُّرات!

هذا مُهم جدا -هنا الكلام لي- أنَّ الرواية قد تحمل رأيا في مواضيع معينة قد تكون حديثَ الساعة، باعتقادي أنَّ الرواية وكِتابتها هي في الحقيقة صنعة لا يجيدها أي أحد، وليس باستطاعة أي كاتب إتقان هذه الصنعة؛ فالرواية تجتمع مع بقية الفنون والآداب والعلوم الإنسانية بأن لها حبكة/ سبك معنى/ دخول لحدث/ خروج منه/ فكر/ فلسفة معينة، الروائي المميز القادر على ترجمة تفاعلاته ونقل البيئة المعيشية بحذافيرها مع عدم الإخلال بالموضوعية هو مُبدع، ولنا كمثال الحاصلبن على نوبل نجيب محفوظ، وأورهان باموق، البيئة المحيطة البسيطة والتفاعل العفوي لجدران الأزقة هو ما أوصلهما للعالمية، ودخول التاريخ من أوسع أبوابه.

لفت نظري قول للروائي اليساري الفرنسي ميلان كونديرا: الروايات تمنحُنا فرصة للهروب الخيالي، وتقتلعنا من حياة لم تكن تمنحنا أي إحساس بالرضا.

واضحة كلمات هذا الفرنسي.. إنَّ الرواية هي فرصة للهروب خياليًّا من حياة لم تمنح صاحبها إحساسا بالرضا! لكن هل كل روائي سيفكر كما يفكر كونديرا؟

بالنهاية.. أيُّ أدب -سواء رواية أو شعرا أو نقدا- لا يحمل سِمَات القيم الرفيعة؛ فهو أدب بالاسم، ولا يعبر عن ثقافة ولا آداب ولا أية قيم وسلوكيات إنسانية.