العمالة الوافدة في السلطنة بعد "كورونا"

 

 

علي بن مسعود المعشني

Ali95312606@gmail.com

لا شكَّ أنَّ جائحة "كورونا" شكَّلت هاجسًا وبائيًّا غير مسبوق للعالم بأسره، رغم مرور أوبئة لا حصر لها على البشرية، ولكن كورونا كان عادلًا في تفشيه على المعمورة قاطبة؛ بحيث لم يستثنِ شعبًا ولا جغرافية في العالم إلا وخلق فيها الذعر والرعب والإفقار والكساد.

فجائحة "كورونا" كانت الوقود لعَصَف ذهني عالمي، كشف لكل بلد مَوَاطِن الضعف والقوة في تنميتها، وتركيبتها الاجتماعية، وعقليات أبنائها، ومنسوب القوة والوهن لدى الشعوب في مواجهة الكوارث والأوبئة العابرة للقارات، ومدى متانة الاقتصادات العالمية، ونجاعة سياسات الأمن الغذائي والتخطيط الاقتصادي.

ونحن في سلطنتنا الحبيبة لم نَكُن بمعزل عن هذا الهم الإنساني الكبير، فقد كشف لنا هذا الوباء العالمي الخطير مَوَاطن قوة وبواطن ضعف لم تكن لتتبدَّى لنا باليَسِر في الظروف الطبيعية. ومن هذه المراجعات الكورونية -إن جازت التسمية- هي العمالة الوافدة في سلطنتنا الحبيبة، والتي تقارب أعدادها الرسمية مشارف المليونين، وبهذا تتساوى أو تكاد مع نسبة المواطنين.

الرَّقم بالنسبة لي لا يُشكل هاجسًا كبيرًا في حال فرضته علينا مُقتضيات التنمية، وتناغمت خططنا التنموية مع معطيات الواقع من حيث الحاجة والنتائج الحقيقية على الأرض، لكنَّ الواقع اليوم يقوم بفرز حقائق مهمة، ويفرض علينا التفكير بنمط مختلف بعد كورونا، وتصويب خططنا وتقييم حاجاتنا الحقيقية لهذه الأعداد من العمالة، بالتناسب مع الهامش المتاح للعمالة الوطنية ومقتضيات الاقتصاد الوطني الذي لا يزال ريعيًّا، وبلون طيف نفطي واحد فقط لا غير.

فسلطنتنا الحبيبة بعد خمسة عقود من نهضتها المباركة المعاصرة، لا شك أنها قطعت شوطًا كبيرًا في إكمال البُنية الأساسية؛ الأمر الذي يقودنا للتفكير بضرورة تقنين أعداد العمالة الوافدة وإخضاعها لمعايير الانتقائية والجودة؛ فالمرحلة الحالية من عُمر النهضة تفرض علينا ضرورة انتهاج سياسات عمالية جديدة تراعي المهنية والجودة، وتعدد مصادر جلب العمالة من ثقافات مختلفة لضمان تعدد المدارس العمالية، وتنوع الخبرات، والارتقاء بجودة الخدمات وأدوات التنمية.

أولى الخطوات في تقديري الشخصي للنهوض بقطاع العمل في القطاع الخاص: ضرورة إنشاء وحدة إدارية تُعنى بشؤون العمالة الوافدة فقط، تكُون من مهامها وصلاحياتها تنوع وإثراء سوق العمل بالكوادر والعمالة الماهرة من البلدان المشهود لها بتأهيل وتصدير العمالة الماهرة العربية منها والأجنبية. ويُناط بها قانون العمل وفق فلسفة تراعي طور الدولة وحاجات القطاع الخاص، مع الاستفادة من مخزون الخبرات المتراكمة خلال العقود الخمسة الماضية من تجارب السلطنة والأقطار الشقيقة في قطاع العمال وجلب العمالة من الخارج، والتي سادها الكثير من العشوائية.

وأرى من الضرورة القصوى أن يكون للوحدة المرجوة عدد من المهام تلبي حاجة سوق العمل وتنتج ثقافات جديدة تُسهم في تعزيز التنمية والارتقاء بها؛ ومنها:

- الحرص على تنوُّع وتعدُّد جنسيات العمالة الوافدة وفق منسوب عددي محدد لكل جنسية، بما لا يشكل لوبيات ضارة بالمجتمع، ولا بالقطاع الاقتصادي للدولة.

- التعامل مع البلدان التي وقَّعت السلطنة معها اتفاقيات لتبادل الأيدي العاملة والكوادر والخبرات المهنية والحرفية.

- ضرورة أن تكون لتلك البلدان اتفاقيات قضائية مع السلطنة لتبادل تنفيذ الأحكام القضائية النافذة بحق المدانين، واتفاقية تسليم المجرمين والمطلوبين للعدالة لضمان الحقوق.

- ضرورة وجود قاعدة بيانات للعمالة الوافدة يجري تحديثها على الدوام تُساعد في معرفة نسب وجنسيات ومهن العمالة الوافدة الموجود منها والمغادر؛ لتسهيل عمل الأنشطة التجارية وقياس مؤشرات العمل والإنتاجية في القطاع الخاص.

- ضرورة تحديد العمر الأدنى والأعلى للوافد في كل مهنة من المهن؛ لضمان قوة العمل والإنتاجية العالية.

- ضرورة تحديد سقف الإقامة للوافد، خاصة العمالة البسيطة.

- ضرورة وضع الوافدين تحت سقف التأمين الصحي الإجباري.

- ضرورة فرض ضريبة دخل سنوي على الوافدين وفق مجموع دخولهم السنوية.

- ضرورة استحداث نظام الإعارة بين الأنشطة التجارية القائمة لضمان تدوير العمالة الوافدة وفق حاجات الأنشطة، ولتشجيع الأنشطة القائمة على التوسع الموسمي أو الدائم دون الحاجة لجلب المزيد من العمالة.

- تشجيع الأنشطة التجارية القائمة والمستحدثة لتشغيل عمالة مُقيمة متخصصة وفق قواعد بيانات مرصودة ومتجددة لدى الجهات المختصة؛ كحل من حلول بطالة العمالة الوافدة ولمكافحة التجارة المستترة.

- ضرورة تفعيل أنشطة رياضية وفنية وثقافية وترفيهية للجاليات بطرق تُشكل عائدًا على خزينة الدولة وتلبي رغبات وحاجات تلك الجاليات.

- فرض ضريبة على التحويلات المالية للوافدين.

- وضع الوافدين تحت مظلة ضمان تأمين ضد البطالة مدتها سنة، يُسهم فيها الوافد ومؤسسته بنسب معلومة، ويُستفاد منها لمرة واحدة.

- الإعلان دوريا عبر الوسائل المتاحة عن أعداد الوافدين الباحثين عن عمل ممن فقدوا أعمالهم لسبب أو لآخر؛ لضمان تدوير عمالة مقيمة وخبيرة بالبلد وثقافة أبنائه وقوانينه.

العمالة الوافدة ضرورة مُلحة لكل اقتصاد مفتوح في العالم وفق قاعدة الطرد والجذب في الاقتصاد، فهم شركاء في التنمية من ناحية، ومكملو شواغر وظيفية ومهن طاردة للمواطن وفق ثقافات الشعوب وتقاليدها وأنماط حياتها، والتجربة تتطلَّب منا تقنين وجودهم، والاستفادة منهم، واحترام مساهماتهم، وخلق بيئات عمل واستقرار مناسبة وإنسانية لهم.

وبالشكر تدوم النعم...،