حاتم الطائي
ندخُل، اليوم، مرحلةَ المُواجهة المباشرة مع فيروس كورونا، مع عودتنا إلى العمل، وذلك بعد نحو شهور من التوقف وتعطل الحياة العامة نتيجة لتفشَّي الفيروس التاجي في كل بُلدان العالم، وتمكَّنه من حصد الأرواح، وتسببه في انهيار الاقتصادات، وانحسار العولمة... وغيرها من التداعيات التي ألقتْ بظلالها على حياتنا وأعمالنا، فتكبَّدنا بسببها خسائر فادحة.
الخسائر لم تَكُن اقتصادية فحسب، بل اجتماعية ونفسية، فضلا عن الخسارة الأكبر والأهم وهي الأرواح التي فقدناها، والمصابون الذين تعرَّضوا للعدوى، وكل ذلك فاقم من تحديات الوضع، ووضع أعباءً إضافية على جميع القطاعات. فالقطاع الطبي يُواجه تحديات كبيرة؛ فجنود الصف الأول من المواجهة -مثل: الأطباء والأطقم الصحية...وغيرهم- يتحمَّلون عناء مُعالجة المرضى مع اتخاذ كل ما يلزم من تدابير من أجل التحوُّط ضد احتمالية الإصابة خلال قيامهم بعلاج المصابين. أما القطاعات الاقتصادية، خاصة شركات القطاع الخاص، فهي تنزفُ منذ بدء الأزمة؛ سواء بسبب انعدام الإيرادات ووصولها إلى صفر، أو نتيجة تعطُّل الأعمال والشلل الذي ضَرب مراحل الإنتاج والعمل. فخلال الأشهر الثلاثة الماضية تقريبًا، تعرَّضت البشرية لأسوأ مِحنة مرت بها منذ الحرب العالمية الثانية، بل لعلَّ ظروف الحرب العالمية وقتذاك لم تكن قاتمة على جميع الدول، وإن كانت بدرجات متفاوتة.
إنَّنا وخلال مرحلة المواجهة المباشرة مع الفيروس، مُطالبون بأنْ نكون أشد حرصًا وتوخِّيا للحذر؛ فمرحلة "خليك في البيت" لن تستمر؛ إذ ليس من المنطقي أن يظل الشلل في الحياة العامة حتى تتوصَّل شركات الأدوية إلى المصل أو اللقاح المضاد للفيروس؛ فهذا أمر يؤكد الخبراء والمتخصصون أنه سيستغرق وقتا طويلا، ربما ليس أقل من عام، حتى يُمكن القول إن لقاحا آمنا وفعالا تم إنتاجه.
وبدلًا من شعار "خليك في البيت"، علينا أن نرفع شعار "الإنتاجية مع الإجراءات الاحترازية"؛ فإنتاجية كل فرد في المجتمع هي التي ستُساعدنا على تجاوز الأزمة، واتخاذ ما يلزم من إجراءات احترازية سيقدم لنا يدَ العون من أجل تفادي الإصابة بالفيروس، فالنظريات تقول إنَّ الإصابات لن تصل إلى المستوى صفر، بمعنى عدم تسجيل أية حالات جديدة، لكنَّ المؤكد أن بأيدينا كبح جماح هذا الوحش المستشري؛ من خلال التباعد الجسدي أثناء ممارسة الأعمال، وارتداء الكمامات، والمحافظة على النظافة الشخصية، والالتزام بغسل اليدين بالماء والصابون بصفة مستمرة، والكثير من الإجراءات والاحترازات التي من خلالها نَحُد من انتشار المرض.
... إنَّ الوضعَ الراهنَ يتطلب منا جميعا أن نكون يدًا واحدة، وأن نشمِّر عن سواعد الجد لكي ننهض بوطننا؛ فالوطن لن ينهض وجميعنا يخشى النزول إلى العمل، رغم أنَّ التدابير الاحترازية كفيلة بتوفير الحماية لنا، والأهم من التدابير أن نتسلح بالوعي والشعور العالي بالمسؤولية لتجنُّب الإصابة، وعدم منح هذا الفيروس الفرصة للنيل مِنَّا مُجددا. كفى بهذا الفيروس تهديدا للإنسان، كفى بهذه الجائحة تدميرا للاقتصاد العالمي واقتصادنا الوطني، كفى بهذا الفيروس تلاعبا بأعصابنا وأفكارنا، علينا أن نُؤكد جميعا أننا على قدر من المسؤولية التي تجعلنا قادرين على إلحاق الهزيمة بهذا الفيروس والقضاء عليه نهائيًّا.
لقد سبقتنا دول عدة في جهودها لمواجهة الفيروس، هناك شُعوب تحلَّت بالإرادة والجاهزية للتعامل مع الفيروس؛ مثل: السويد، وكوريا الجنوبية، وألمانيا التي نجحت إلى حدٍّ كبير في الحد من انتشاره والتفوق عليه، ونحن في عُمان لا ينقصنا سوى الإرادة، فالجاهزية -ولله الحمد- مُتوفرة، والاستعدادات على أكمل وجه، ولقد تجاوزنا الكثير من المحن والمشكلات سابقا، وأثبت العُماني أنه على قدر المسؤولية والعطاء.
إنَّ الأولوية في الوقت الراهن، تنقسم إلى شقين؛ الأولى: يتعلق بجوانب الصحة واتخاذ الاحتياطات الكفيلة بمحاصرة الفيروس، ومنعه من الانتشار بأقصى قدرة ممكنة. والثاني: أولوية الإنتاج، وزيادة معدلات الإنتاجية التي لا تعني "بصمة الدوام" أو الجلوس على مكاتب دون عمل، بل هي إنتاجية العمل عن بُعد، وإنجاز أكبر قدر من المعاملات والمهام الوظيفية، عبر استخدام التكنولوجيا. علينا أنْ نُزيد من قدرتنا على الإنتاج من خلال طرح الأفكار التي تستشرف المستقبل وتمهِّد الطريق إلى "عالم ما بعد كورونا"، هذا العالم الذي سيكون مختلفا بالكلية عن عالمنا اليوم؛ سواء من حيث القوى المهيمنة من الدول العظمى، أو من ناحية طريقة المعيشة.
وختاما.. التعايش مع فيروس كورونا يستوجِب مِنَّا جميعا أن نُدرك تمام الإدراك أن مصلحتنا واحدة، وهدفنا مشترك، والالتزام بالإجراءات الاحترازيَّة سبيلنا للخلاص من الأزمة التي نمر بها.
أؤمن بقوَّة أننا قادرون على ذلك.. فنحن أُمة لا تستسلم، بل تواجه بجسارة.