عبدالنبي الشعلة
تمَّ تمديد عُضوية مملكة البحرين في مجلس إدارة منظمة العمل الدولية لعام إضافي؛ تبدأ من اليوم الرابع من الشهر المقبل لتنتهي في شهر يوليو من العام 2021.
وكانت دول مجلس التعاون الخليجي قد حقَّقت إنجازًا لافتًا على صعيد المنظمات الدولية الرائدة، عندما تم انتخاب مملكة البحرين بأغلبية ساحقة عضوًا أصيلًا بمجلس إدارة منظمة العمل الدولية في العام 2017 في اجتماع الدورة الـ106 للجمعية العمومية للمنظمة.
وجاءتْ هذه النتيجة المشرفة تتويجًا للجهود الحثيثة التي بذلها وزير العمل والتنمية الاجتماعية سعادة الأخ جميل حميدان وفريق عمله المتمكن، وتحققت بفضل دعم الأشقاء بدول المجلس وبمؤازرة الدول العربية الشقيقة وباقي دول العالم، كما أنَّها جاءت نتيجة وتقديرًا للمكتسبات العمالية والإنجازات التي حققتها مملكة البحرين في مختلف مجالات تطوير سوق العمل طيلة السنوات الأخيرة منها؛ تطبيق نظام الحماية الاجتماعية والتأمين ضد التعطل، وتعزيز الحريات النقابية، ومكافحة الاتجار بالبشر، وضمان حق انتقال العامل وتقييد نظام الكفالة الممقوت، وإكمال المصادقة على أهم الاتفاقيات التي صدرت عن المنظمة، والالتزام بكل المعايير والإجراءات الخاصة بالمنظمة، وتقديم التقارير الدورية المطلوبة، وتطوير التشريعات والأنظمة الوطنية اللازمة لإدارة سوق العمل والمتوافقة مع معايير العمل الدولية، وتنظيم علاقة صحية بين صاحب العمل والعامل مبنية على الشراكة والشفافية مع أطراف الإنتاج... وغيرها من المنجزات.
ويقع مقر منظمة العمل الدولية في جنيف، وهى أقدم وأعرق منظمات الأمم المتحدة، وقد تأسَّست في العام 1919 مع نشأة عصبة الأمم وقبل تأسيس الأمم المتحدة ذاتها، وجاء تأسيسها ضمن معاهدة فرساي التي أنهت الحرب العالمية الأولى، وهي الوكالة الثلاثية الوحيدة للأمم المتحدة؛ حيث تجمع أطراف الإنتاج الثلاثة: الحكومات وممثلي أصحاب العمل والعمال من الدول الأعضاء فيها؛ بغرض تنسيق جهودها لتحقيق أهداف المنظمة، ويتمتع جميعها بحقوق التصويت الفردية مع تساوي جميع الأصوات.
وتكمُن أهداف ومهام منظمة العمل الدولية في تعزيز العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان والعمل المعترف بها دوليًّا؛ وذلك بناءً على المبدأ التأسيسي القائم على أن "العدالة الاجتماعية ضرورية للسلام العالمي والدائم"، وهي العبارة التي تتصدر دستورها.
وفور استقلالها، سارعت البحرين وباقي دول مجلس التعاون بالانضمام لمنظمة العمل الدولية لإيمانها وقناعتها بالمبادئ والأهداف التي أُسست المنظمة على أركانها؛ ومنها: تحقيق الحماية الاجتماعيّة لجميع العمال، وضمان الحقوق الأساسيّة في مجال العمل، وإتاحة فرص العمل بشكل مُتزايد للرجال والنساء، وتحقيق المساواة بينهم، والارتقاء بمستويات معيشتهم، وترسيخ التعاون الثلاثي بين العمال وأصحاب العمل والمؤسسات الحكومية المعنية، والتأكيد على أهمية الحوار الاجتماعي...وغيرها من الأهداف، وكانت دول المجلس تسعى من وراء انضمامها أيضًا للاستفادة والاستعانة بامكانيات وخبرات المنظمة في سبيل تطوير أسواق العمل فيها، إلى جانب أنَّ ضرورات الاستقلال واستكمال عناصر ومظاهر السيادة الوطنية والانتماء إلى المجتمع الدولي تقتضي الانضمام للمنظمات الدولية الرائدة والفاعلة؛ وعلى رأسها: هيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها الفرعية المتخصصة؛ ومنها: منظمة العمل الدولية.
وعندما انضمَّت دول المجلس إلى منظمة العمل الدولية كانت هذه الدول تمرُّ بالمراحل الأولى من تحسس الطريق والتأقلم والتكيف والاندماج في المجتمع الدولي بعد حصولها على الاستقلال، فقد حصلت البحرين والإمارات وعُمان وقطر على استقلالها في العام 1971، والكويت في 1961، وكانت المملكة العربية السعودية قد تأسست في العام 1932.
وبعد أنْ عانت هذه الدول من شح الموارد الطبيعية والتخلف والفاقة لقرون طويلة؛ شاءت الأقدار أنْ تشهد طفرات في مواردها النفطية مع منتصف السبعينيات من القرن الماضي، وبدأت بذلك مرحلة من النمو والتطور السريع الذي استدعى الاستعانة بأعداد ضخمة من الأيدي العاملة الأجنبية؛ مما جعل انضمامها إلى منظمة العمل الدولية في غاية الأهمية، وقد أدَّى ذلك بطبيعة الحال إلى مواجهة دول المجلس للعديد من الصعاب والتحديات المتعلقة بتنمية مواردها البشرية الوطنية، وإدماجها في سوق العمل، واستيعاب العمالة الوافدة، وتطوير أسواق العمل فيها، وتحقيق ذلك كله وفق ظروفها الخاصة، وبالتدرج، وضمن الأطر الأساسية لمعايير العمل الدولية.
وفي خضم استحقاقات الحرب الباردة والصراع بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي، كانت أنظمة بعض الدول العربية ذات الفائض العمالي وأجهزتها الرسمية ومنظماتها العمالية تتَّهم الدول العربية الخليجية بفقدان الحس العربي القومي، وتصفها بالرجعية والتخلف، وتأخذ عليها عدم حصر مصادر استيرادها مما تحتاجه من الأيدي العاملة من هذه الدول، وتنتقد أيضًا توجهها إلى الاستعانة -وبشكل متزايد- بأسواق الدول الأجنبية خصوصًا في آسيا. فأخذت هذه الأنظمة وأذرعها ونقاباتها تَكِيل جام غضبها على رؤساء ووفود الدول الخليجية المشاركة في أعمال منظمة العمل الدولية؛ مُستخدمة عناصر وأفراد ومنظمات مختلفة؛ من أبرزها ما يسمى بـ"الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب"، والذي يتخذ من قلعة الحرية والعدالة دمشق عاصمة الأسدين حافظ وبشار مقرًّا ومنطلقًا له كرأس حربة لتهديد الدول الخليجية وابتزازها، وشن الهجمات الحاقدة عليها، مستغلة آليات المنظمة ومكاتبها ولجانها في محاولاتها اليائسة لوضع دول المجلس في قفص الاتهام بدعوى عدم تطبيق الاتفاقيات والتوصيات التي تتبناها المنظمة أو خرقها وانتهاكها، والتفريط في حقوق العمال المشروعة؛ بما في ذلك الحقوق النقابية؛ فكانوا ينظمون الندوات والتجمعات الاحتجاجية ضد الدول الخليجية ويقيمون عليها الشكاوى والدعاوى الكيدية الباطلة لدى اللجان المختصة بالمنظمة، متعمدين تجاهل حداثة تجربة هذه الدول وطبيعة وهيكلية سوق العمل فيها وحاجتها إلى التدرج في تطوير أسواقها وأجهزتها وقوانينها.
وفي جنيف؛ ومن على منابر المنظمة، وفي قاعاتها وغرفها، وبين أروقتها ودهاليزها، وخلف كواليسها، اضطر مندوبو ووزراء العمل الخليجيون إلى مواجهة هذه العناصر، وباسم البحرين فقد خُضتُ لأكثر من سبع سنوات وخاضَ قبلي من سبقني من الوزراء؛ من أبرزهم: الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة، والشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، والشيخ عيسى بن علي آل خليفة (رحمهم الله جميعًا)، معارك ضارية مع هذه العناصر أبلوا فيها بلاء حسنًا، مُتسلحين بالتوجيهات السديدة لقيادتنا الحكيمة بضرورة التمسك بالثقة والإيمان والتحلي بالصبر والهدوء، والاعتماد على الله، وعلى إنصاف المجتمع الدولي، وعدالة قضيتنا ومواقفنا، وكانت نتيجة ذلك كله أن أصبحت البحرين وأثبتت بانتخابها في هذا المنصب الأممي الرفيع كعضو أصيل بمجلس الإدارة أنها جديرة وقادرة على حيازة والمحافظة على ثقة المجتمع الدولي، وتمثيل دول غرب آسيا بما في ذلك الدول العربية الآسيوية، والمساهمة من أعلى المستويات في توجيه سياسات وخطط المنظمة ورعاية المصالح الخليجية والعربية والآسيوية فيها.