ثقافة الذكاء الاجتماعي

 

 

فاطمة عبد الرضا محمد اللواتية **

** ماجستير قيادة تربوية

 

"أنت أحمق "، "أنت لا تفهم شيئا"، "صحبتك مملَّة"، "شخصيتك ضعيفة"، "تصرفات غير مقبولة"، "مظهرك غير لائق".. العبارات السابقة والكثير منها ذات النوعية السلبية نسمعها كثيراً في مختلف الأوقات، ومعظم التجمعات سواء كانت عائلية أو بين الأصدقاء أو في مجال العمل والمناسبات الاجتماعية المختلفة مثل: الأعراس والعزائم وغيرها.

العبارات التي ذكرناها يردِّدُها بعض الأفراد وقد تكون غير مقصودة مجرد كلمات ولكن قد تكلِّف الكثير من الخسائر سواء أكانت مادية أم معنوية، فمنهم من خسروا الأصدقاء وابتعد عنهم أحبتهم وآخرون خسروا المشاريع التجارية ومنهم من تمَّ إنهاء خدماتهم من العمل بسبب السلوكيات والأساليب غير المحبَّبة.

هؤلاء الأفراد قد يمتلكون كل شيء من الذكاء الأكاديمي والقوة البدنية والصِّحَّة الجسمية والنجاح على صعيد العمل ولكن يصاحبهم الفشل في تكوين العلاقات الاجتماعية وليست لهم القدرة على الانسجام والاتفاق وكسب المودة والمحبة من الآخرين؛ وذلك لفقدانهم نوع من الذكاء يسمى (بالذكاء الاجتماعي) وهو أشد وأقوى أنواع الذكاءات في الحياة البشرية والذي هو الأساس في تكوين علاقات سوية ومحبَّبة مع الأطراف الأخرى، ويطلق على الشخص صاحب المهارات الحياتية أنه شخص دبلوماسي (صاحب الإتيكيت).

من خلال الحياة التي نعيشها يمر علينا أشخاص نتقبَّلهم وننجذب إليهم ونميل في تكوين صداقات وعلاقات معهم؛ لأنهم يمتلكون أساليب إيجابية من حيث التعامل والألفاظ المحبَّبة التي لا تجرح، بالمقابل أشخاص نتجنَّبُ مصاحبتهم ونبتعد عنهم ولا نميل للتعامل معهم خوفا من التصرفات التي تصدر عنهم والتي تؤثر سلبيا علينا.

ومن السمات الشخصية التي يتميز بها الشخص الذي يمتلك خاصية "الذكاء الاجتماعي"، وتعني القدرة على الإحساس بمشاعر الآخرين، والاستخدام الجيد لمهارات التواصل مع الآخرين من حيث أسلوب المحادثة واستخدام الألفاظ اللبقة والبعيدة عن الشدة والعنف، وله القدرة على التأثير في تحويل المواقف والانفعالات السلبية مثل: الحقد والكراهية إلى انفعالات إيجابية مثل: الحب والسلام.

والسمة الأخرى التي تتميز به الشخصية الاجتماعية، هي الإصغاء والإنصات وامتلاكه فناً وأسلوباً راقيا في الحوار ويستمع للطرف الآخر دون مقاطعة، إن خاصية الإصغاء نفتقر لها بصفة عامة في مجتمعاتنا سواء أكانت في الحياة العملية والاجتماعية، فكثيراً ما نصادف أن الكثيرين يفتقدون هذه الخاصية وخاصة في مجال العمل حيث بيَّنت دراسة أن نسبة الاستماع لدى بعض المديرين تصل إلى 5% (ولا نُعَمِّم)؛ وذلك بسبب قوة السلطة التي لديهم وحتى لو استمع فإنه تصدر منه بعض العادات السيئة التي تعتبر مصدر إزعاج وضيق وتترك أثاراً سلبية، منها: أنه يتظاهر بأنه يستمع ولكنَّه لا ينتبه للحديث ويشغل نفسه بأمور أخرى أثناء الحديث ويقاطع المتحدث كثيراً، وتصدر منه تعبيرات وإيماءات بعدم أهمية الموضوع (هذه الأساليب الكثيرون يستخدمونها حتي في الحياة الاجتماعية في النقاشات والحوارات العادية).

ومن الصفات التي يتصف بها أصحاب الذكاء الاجتماعي الإيجابية والابتسامة والبشاشة حيث تعتبر إكسير الحياة ومفتاح الدخول للقلوب وتجعل الطرف الآخر يشعر بالراحة والطمأنينة، وكلنا ندرك سر الابتسامة فهي تجعل الشخص أكثر قابلية للعطاء والنجاح سواء كان في الصعيد العملي أو الشخصي، ومن الدراسات في علم النفس الاجتماعي أنَّ الطفل إذا اصطدم رأسه بعائق سبَّبَ له ألما، شعوره بالألم يأخذ ثواني، إذا وجد الأم تبتسم وتضحك له يخفف عليه الشعور بالألم ويختفي ولا يحس به.

 ربما يُطرح سؤال، هل هناك طرق وأساليب تساعدنا في تنمية مهارتنا وذكائنا الاجتماعي؟ وكيف يتم ذلك؟

نعم.. بإمكان كل منَّا أن يطور وينمي هذه المهارات؛ لأنها مُكْتَسَبة وذلك من خلال التدريب في تطوير مهارات التواصل والاتصال، وتطوير مهارات التعامل مع الآخرين وعدم الاستعجال في محاسبة الآخرين عند صدور الأخطاء والبعد عن الانتقادات الدائمة والعبارات التي تستخف بذكائهم والبعد عن التكبُّر والتعالي واستخدام أساليب وعبارات راقية بلباقة وكياسة عند المناقشات والاختلاف في وجهات النظر كأن يقول مثلا: من وجهة نظري لي رأي آخر؟ أو (قد أكون مخطئا) وغيرها من العبارات التي تمنع من الوقوع في الاعتراضات والمشاكل، وأخيرا تجنّب العصبية والغضب والسخط واستخدام الحوار العقيم والبعد عن الجدال والإصرار على الرأي والقدرة على السيطرة وضبط النفس.

ومن الوسائل التي تساعد الفرد في تنمية الذكاء الاجتماعي إظهار حبه واحترامه للآخرين والتقدير للصفات التي يمتلكونها، ولا يقصد هنا أن يكون متملَّقا ومنافقا، وإنما إظهار تقديره للمميزات التي يمتلكونها؛ لأن لكل منَّا جوانب مشرقة في الشخصية، فإذا أراد أن يكسب ود الآخرين وثقتهم يتم تقدير الصفات الإيجابية لديهم.

وفي الوقت الحاضر لا ننسى الدورات وورش العمل لتنمية هذه المهارات الإنسانية من أساليب التواصل والاتصال ودورات خاصة لتنمية الإيجابيات لدى الشخص والتخلص من السلبيات، وكثير من المؤسسات ومنظمات العمل خاصة التي لها علاقة مباشرة مع الزبائن مثل: المحلات التجارية الراقية والبنوك التجارية والعيادات التجميلية والأندية الرياضية تلحق العاملين فيها بهذه الدورات من أجل إكسابهم مهارات التعامل والتواصل سواء أكانت مباشرة أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

الحياة رحلة قصيرة وجميلة وقائمة على الإنسانية التي يتكافل فيها جميع أفراد المجتمع لكي نعيشها بأمن وسلام، وجب علينا اتباع أسلوب سهل للتعامل مع الحياة لكسب الإنسان قيمة اجتماعية بعقلانية واتزان واحترام للآخرين.

تعليق عبر الفيس بوك