"فورين بوليسي" ترسم طريق بكين نحو "القوة العظمى"

الصين أمام مسارين للهيمنة العالمية: التفوق الإقليمي وتنامي القوة الاقتصادية والتكنولوجية

◄ تحويل أزمة "كورونا" إلى فرصة لإظهار نفوذ بكين وتسويق النموذج الصيني

◄ الصين تسعى حتما لترسيخ مكانتها كقوة رائدة في العالم

◄ سياسات التخريب الذاتي في أمريكا تعجل بتنامي النفوذ الصيني

 

ترجمة- رنا عبدالحكيم

 

تُظهر الصين تحت حكم الرئيس شي جين بينج طموح القوة العظمى، فقبل بضع سنوات فقط، لم يزل العديد من المراقبين الأمريكيين يأملون في أن تتصالح الصين مع دور داعم في النظام الدولي الليبرالي أو تشكل- على الأكثر- تحديًا لنفوذ الولايات المتحدة في غرب المحيط الهادئ، وكانت الحكمة التقليدية تقول إن الصين ستسعى إلى دور إقليمي موسع- ودور أمريكي أقل- لكنها ستؤجل إلى المستقبل البعيد أية طموحات عالمية، غير أنّه في الوقت الراهن، فإنّ ثمة إشارات تفيد بأنّ الصين تستعد لإزاحة القيادة الأمريكية العالمية.

وكتب هال براندز وجيك سوليفان مقالا مطولا بعنوان "الصين أمام مسارين للهيمنة العالمية"، ونشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية. وهال براندز هو أستاذ كرسي هنري كيسنجر للشؤون العالمية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكينز والباحث المقيم في معهد أميركان إنتربرايز، أما جيك سوليفان فهو زميل مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ونائبًا مساعدًا للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ومستشارًا للأمن القومي لنائب الرئيس جو بايدن من 2013 إلى 2014، وكذلك مدير تخطيط السياسة في وزارة الخارجية الأمريكية من 2011 إلى 2013.

وبحسب المقال، فثمة حقيقة واحدة هي أن دولة كانت تخفي طموحاتها في السابق تؤكدها الآن على الملأ، حيث أعلن شي في عام 2017، أن الصين دخلت "حقبة جديدة"، وأنها يجب أن "تحتل مركز الصدارة في العالم". وبعد ذلك بعامين، استخدم شي فكرة "المسيرة الطويلة الجديدة" لوصف علاقة الصين المتدهورة بواشنطن. حتى الصدمات الاستراتيجية التي وقعت داخل الصين أصبحت واجهات لتطلعات بكين الجيوسياسية، ودليل ذلك آلية تعامل حكومة الصين مع أزمة فيروس كورونا المتفاقمة وتحويلها إلى فرصة لإظهار النفوذ الصيني وتسويق نموذج الصين في الخارج.

وهناك تساؤل بشأن ما إذا كانت الصين تسعى في الواقع (أو ستسعى حتمًا) لترسيخ مكانتها كقوة رائدة في العالم وكيف يمكنها تحقيق ذلك الهدف. ومن هنا يجب على مهندسي الاستراتيجية الأمريكية للتعامل مع الصين- بغض النظر عن مدى استيعابهم أو مواجهتهم الغريزية- أن يواجهوا هذه المشكلة بصورة مباشرة.

وإذا كانت حالة القوة العظمى الحقيقية هي الوجهة المطلوبة للصين، فهناك طريقان يتعين على الصين سلوكهما للوصول إلى ما تريد. المسار الأول هو ذلك الذي أكّد عليه الاستراتيجيون الأمريكيون حتى الآن (إلى حد الاعتراف بالطموحات العالمية للصين). ويمر هذا الطريق عبر منطقة الصين الأصلية، وتحديداً غرب المحيط الهادئ. وهي تركز على بناء التفوق الإقليمي كنقطة انطلاق للقوة العالمية، ويبدو ذلك مشابها تمامًا مع الطريق الذي سلكته الولايات المتحدة نفسها ذات مرة. أما المسار الثاني، فهو مختلف تمامًا، لأنه يبدو أنه يتحدى القوانين التاريخية للاستراتيجيات والجغرافيا السياسية. ويركز هذا النهج بشكل أقل على بناء موقع قوة لا يمكن السيطرة عليه في غرب المحيط الهادئ، من خلال التركيز على الالتفاف على نظام التحالف الأمريكي وإيجاد نقاط قوة في تلك المنطقة، من خلال تعظيم نفوذ الصين الاقتصادي والدبلوماسي والسياسي على نطاق عالمي.

لكن السؤال: أيٍ من هذه الطرق يجب على الصين أن تسلكه؟

وهو سؤال ملح يطرحه حتى الخبراء الاستراتيجيون في بكين، الذين سيواجهون قرارات صعبة بشأن ما يجب الاستثمار فيه، وما هي المعارك التي يجب تجنبها في السنوات المقبلة. ومسألة المسار الذي ستتخذه الصين من شأنه أن يحدث آثارا عميقة على الاستراتيجيين الأمريكيين، وفي نهاية المطاف على بقية العالم.

وتعتقد الحكمة التقليدية الناشئة أنّ الصين ستحاول إرساء نفوذ عالمي من خلال تأسيس الهيمنة الإقليمية أولاً، وهذا لا يعني احتلال البلدان المجاورة فعليًا (باستثناء تايوان المحتملة)، كما فعل الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة. لكن هذا يعني أنّ بكين يجب أن تجعل نفسها اللاعب المسيطر في غرب المحيط الهادئ، وصولاً إلى أول سلسلة جزر (التي تمتد من اليابان إلى تايوان إلى الفلبين) وما بعدها، ويجب أن تحصل على إمكانية فعالة للاعتراض على الخيارات الأمنية والاقتصادية لجيرانها، أو ما يشبه حق النقض "الفيتو"، ويجب عليها تمزيق تحالفات أمريكا في المنطقة وإزاحة القوات العسكرية الأمريكية أبعد وأبعد عن شواطئ الصين. وإذا لم تستطع الصين القيام بذلك، فلن يكون لديها قاعدة إقليمية آمنة يمكن من خلالها إبراز القوة على مستوى العالم. وستواجه تحديات أمنية مستمرة على طول محيطها البحري الضعيف، وسيتعين عليها تركيز طاقاتها وأصولها العسكرية على الدفاع بدلاً من الهجوم.

ويعتقد بعض المحللين أنّ الحرب الأمريكية الصينية في مضيق تايوان ستكون- إما الآن أو في غضون بضع سنوات- في الأساس. وكل هذه السياسات تنم عن انعدام أساسي بالأمن مع الاقتراب الاستراتيجي لأمريكا من الصين. وبالطبع، كلها متوافقة مع الهدف الأضيق للهيمنة الإقليمية، لكنها تتوافق أيضًا مع ما يُتوقع إذا كانت بكين تحاول تقليد مسار أمريكا نحو القوة العالمية.

لكن ماذا لو سلكت الصين طريقا آخر، بدلاً من التركيز على الهيمنة الإقليمية قبل التحول إلى التفكير في الهيمنة العالمية؟

سيقود هذا المسار الثاني الصينَ إلى الغرب أكثر منه إلى الشرق، في خدمة بناء نظام أمني واقتصادي جديد بقيادة الصين عبر كتلة أوراسيا والمحيط الهندي، مع إنشاء مركزية صينية في المؤسسات العالمية. وفي هذا النهج، ستقبل الصين على مضض أنها لا تستطيع إزاحة الولايات المتحدة من آسيا أو دفع البحرية الأمريكية إلى ما وراء سلسلة الجزر الأولى في غرب المحيط الهادئ، على الأقل في المستقبل المنظور. وبدلاً من ذلك، ستُركز بشكل متزايد على تشكيل القواعد الاقتصادية العالمية، ومعايير التكنولوجيا، والمؤسسات السياسية لصالحها.

والأساس المركزي لهذا النهج البديل هو أن القوة الاقتصادية والتكنولوجية في الأساس أكثر أهمية من القوة العسكرية التقليدية في تأسيس القيادة العالمية، وأن مجال التأثير المادي في شرق آسيا ليس شرطًا مسبقًا ضروريًا للحفاظ على هذه القيادة. ومن خلال هذا المنطق، يمكن للصين ببساطة الاستمرار في إدارة التوازن العسكري في غرب المحيط الهادئ والاهتمام بمحيطها المباشر وخاصة مطالبها الإقليمية، وتحويل ميزان القوى- ببطء- لصالحها، بينما تمضي في جهودها للهيمنة العالمية من خلال هذه الأشكال الأخرى من السلطة.

ويختتم الكاتبان المقال بالقول إنّ الولايات المتحدة لا تزال لديها القدرة على الاحتفاظ بمميزاتها في تلك المنافسة، طالما أنّها لا تستمر في مسارها الحالي للتخريب الذاتي (في إشارة إلى سياسات الرئيس دونالد ترامب). لكن حقيقة أن الصين تملك مسارين معقولين للتفوق يعني أن اّلمنافسة ستكون أشد تعقيدًا، وربما أكثر تحديًا، مما كانت عليه خلال التنافس الأخير بين القوى العظمى.

تعليق عبر الفيس بوك