كورونا.. هل تعلمنا الدرس؟!

 

مدرين المكتومية

جائحة كورونا كارثة عالمية لم تعاصرها الأجيال الحالية، حتى أولئك الذين بلغوا من الكبر عتيًا، فهم لم يتعرضوا لهكذا أزمة في حياتهم من قبل، وإذا كان البعض يرى أنّ القرن العشرين شهد كوارث غير مسبوقة مثل الحربين العالميتين الأولى والثانية أو انهيار الاتحاد السوفيتي أو حربي الخليج وانهيار النفط، فإن القرن الحادي والعشرين يشهد في مطلع عقده الثاني وباءً كارثيًا تسبب في انهيار الاقتصاد العالمي ووفاة مئات الآلاف وتشريد عشرات الملايين، علاوة على تدمير أركان النظام العولمي!

وإذا كان البعض يجادل بأنّ الأنفلونزا الإسبانية كانت أشد خطرا وأعنف وطأة على العالم فربما يكون القياس غير دقيق، فخلال تلك الأنفلونزا لم يكن العالم على هذا القدر من التطور العلمي والبحثي والتكنولوجي ولم تكن هناك منظمة صحة عالمية ولا أمم متحدة ولا دولة كبرى تزعم هيمنتها العالمية، ولذلك يجب أن نستبعد تلك الكارثة من رؤيتنا وتقييمنا لوباء كورونا.

لكني أرى أن نتجاوز هذه المقارنات وأن نتطلع إلى المستقبل بعين يملؤها التفاؤل وباستشراف يرتكز على النظرة الإيجابية للحياة وأول ما يجب الانتباه إليه هو الدروس المستفادة من وباء كورونا.

الدرس الأول: الاستثمار في الصحة ليس خيارا بل ضرورة حتمية. هذا ما أكده معالي الدكتور أحمد بن محمد السعيدي وزير الصحة، حيث شدد على أهمية الاستثمار في القطاع الصحي والاستثمار هنا لا يعني فقط ضخ الدولة لمئات الملايين من الريالات بل مقصود به أيضا أن يشارك المجتمع في هذا الاستثمار من خلال إسهاماته في الفئات القادرة في دعم القطاع الصحي من خلال التبرعات إلى الصناديق المتخصصة أو توفير الرعاية الصحية اللازمة للعمال في مختلف مواقع العمل، وألا يبخل صاحب العمل بتقديم هذه الرعاية مهما كلفته من ثمن، الاستثمار في القطاع الصحي يعني أيضا أن تضخ شركات الاستثمار العديد من رؤوس الأموال في هذا القطاع لبناء مختبرات ومراكز بحثية تعكف على دراسة المستجدات الطبية حول العالم. ومن أشكال الاستثمار في هذا القطاع أيضا أن تخصص كبرى الجامعات مثل جامعة السلطان قابوس ميزانيات معتبرة لجهود البحث العلمي في المجال الطبي، والقائمة تطول والمجال لا يتسع لذكر باقي الاستثمارات، لكن الذي نؤكد عليه هو حتمية التوسّع في الاستثمار الصحي.

الدرس الثاني: الاستثمار في التكنولوجيا لا يعني فقط دعم أصحاب الابتكارات ولكن أيضا إنشاء معاهد علمية وكليات متخصصة في مجالات الابتكار والتكنولوجيا، فوجود مبتكر يملك فكرة رائعة قابلة للتطوير دون أن يكون متخصصا أو دارسا للعلوم التقنية فهذا يعني عدم استدامة الاستثمار في هذا المبتكر، لكن حينما نوفر له ما يؤهله لمواصلة ابتكاراته على أسس علمية وأكاديمية رصينة فإننا نضمن أن يقدم لنا هذا المبتكر آلاف الابتكارات وليس ابتكارا أو اثنين. ولماذا لا تتم زيادة ميزانية البحث العلمي من الآن إلى 2030 ليكون مركزا على الجانب الصحي والتكنولوجي.

الدرس الثالث: الاستثمار الغذائي وتطوير القطاع اللوجستي من خلال اهتمام وزارة الزراعة والجهات المعنية بالمزارع والأراضي الزراعية خاصة أننا نمتلك مساحات جيدة من الأراضي، وعلى المستوى اللوجستي فإنّ تجربة الاستيراد المباشر التي تمت فإنّها تجربة جديرة بالاستمرار وأكدت على كفاءة الموانئ العمانية وقدرتها على استقبال مختلف سفن الشحن والتجارة.

الدرس الرابع: وهو درس متعلق بي شخصيًا، وهو أنّ الحياة مهما كانت جميلة ورائعة، ومهما استطعنا أن نحيا خلالها أجمل اللحظات ونسجلها في أضابير ذاكرتنا، إلا أنها لا تؤتمن، فكل شيء قابل للخسارة، وكل شيء قابل للفقدان، وكل شيء في الحياة لا نتوقعه، سيحدث، وربما دون أن ندرك ذلك! لذلك، أستطيع القول، إنّ كورونا علمتني أننا ربما نستيقظ يوما دون قدرتنا على ممارسة الحياة التي اعتدناها، ألا نكون قادرين على ارتياد الأماكن التي نحب، ولا أن نجالس من نحب وننظر في عيونهم ونتلمس مشاعرهم، أو ربما نُفجع بفقد من نعشق. علمتني كورونا أنّ المال أمام نعمة الصحة لا يساوي شيئا أبدًا، وأن كل تلك الأفكار التي كانت معلقة بذاكرتنا قد تكون مجرد أوهام أو أضغاث أحلام أو خيالات، لكن المؤكد الذي لا يقبل الشك مطلقا أنّ الحقائق الكونية لا قدرة لنا على تغييرها، وأنّ قدر الله آتٍ ونافذ، وما علينا سوى الرضا به والتسليم له، مع الأخذ بالأسباب وبناء المستقبل على أسس متينة من المعرفة والعمل والاجتهاد..

حفظنا الله وإيّاكم من كل مكروه، وأعاننا على مواجهة الحياة بحلوها ومرها!