هل مات الحلم مع أصحابه؟

علي بن سالم كفيتان

كل المعطيات تقول لنا إن الحلم الذي عشناه في الخليج مع القادة المؤسسين بدأ يتلاشى مع رحيل آخر الرجال الذين وضعوا لبناته قبل بضعة أشهر؛ وهو جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- طيب الله ثراه- فقد أثبتت لنا الأيام مدى صبر وجلد هؤلاء القادة على تخطي الصعاب ونقل شعوبهم من الفقر والجهل والمرض الى أعلى درجات الرفاة الاجتماعي، رغم أن الظروف التي كانت محيطة بهم أصعب من مما نحن عليه اليوم، لكن درجة الفهم والإحساس بالمسؤولية كانت أعلى لدى من وصفوا بأنهم رجال غير متعلمين قادمين من مفازات الصحراء ومضارب البداوة.

هم يعلمون أبعاد القضايا السياسية وتعاملوا معها بصفاء ذهن وبكياسة الرجل العربي الفطن، فلم ترهقهم المراحل ولم تثنيهم الصعاب، فواجهوا خلافاتهم ونزعاتهم وأطماعهم كدول بكل شفافية ومصداقية وقدموا مصالح شعوبهم على أنفسهم. أما سياستهم الخارجية؛ فعلى المستوى العربي ظلوا داعمين أساسيين للقضية الفلسطينية وبسخاء الكرم العربي، رغم علمهم باختلاف التوجهات الفلسطينية، فكان أبو عمار يصول ويجول من عاصمة خليجية إلى أخرى ويجد جميع طلباته مجابة قبل وصوله، وكانوا يعلمون تمام العلم أبعاد المنادين بالقومية العربية وتوجهاتهم الوحدوية، فتماشوا مع أصحاب الخطب الرنانة وظلوا مُمسكين بخيط معاوية بكل دهاء. وفي الجانب الآخر تبنوا قضايا الإسلام والمسلمين في مختلف بقاع الدنيا وهم يعلمون بأن الأمة ليست على قلب رجل واحد، لكن وازع النخوة والشهامة والشرف هو الذي كان يقف خلف تلك الكوكبة النادرة من الرجال- رحمهم الله- فلا يظن أحد اليوم أنهم غير مدركين لما يجري في العالم بل بينوا أنهم الشخصيات الأجدر بلا منازع لقيادة بلدانهم وشعوبهم في تلك المرحلة الفاصلة من الزمن. ففي عهدهم انتشر الإسلام وبنيت المساجد ووزعت المصاحف وناصروا كل مظلوم دون المساس بكيانات بلدانهم ومقدرات شعوبهم.

كشعوب خليجية كنا ننتظر من الجيل الجديد من القادة الكثير والكثير فهم من نعتوا أنفسهم بالجيل الشاب المتعلم في أرقى الجامعات وأعظم الأكاديميات، وهم من ظلوا يحسبون الأيام لبلوغ كرسي الحكم، لكن آمالنا خابت بعد أن طفت إلى السطح تصرفات لا تمت للسياسة بصلة، تمثلت في التطبيل للشعوب العربية عبر منصات إعلامية للثورة على ساستها وإيواء الفارين من حكامها، والتلاعب بمقدرات دول ومصائر شعوب، فانهارت أنظمة وطفت للسطح أخرى، وقاوم البعض واستعان بكل ما يمكن للبقاء، فتولد مشهدا عربيا ضعيفا تغلغلت من خلاله يد لإسرائيل ويد لإيران إلى المشهد العربي، فأصبحتا تتدخلان في شؤون المنطقة.

وبحلول الخلفاء بات بعض دول الخليج يتدخل في حروب ويمول أخرى، وأصبحت هذه الدول نفقد فلذات أكبادنا في ساحات معارك عبثية لا ناقة لها فيها ولا جمل، وفي عهدهم حارب بعض دول الخليج بأغلى سلعة ألا وهي النفط، الذي كان ولا زال مصدر الدخل الوحيد حتى انهارت أسعاره، وباتت الخزائن خاوية على عروشها.. وبعدها رُفع الدعم عن شعوب الخليج وتم إرغامهم على دفع الضرائب المضاعفة على السلع الحياتية وبات الخليجي عاطلا عن عمل، والأجنبي يعمل في كل مفاصل الدولة، وتقزمت الأعداد أمام الوافدين، فأصبح الخليجيون أقليات في أوطانهم، باحثين عن عمل، ومحاصرين بشبح التقاعد الإجباري، فكانت هذه هي أبرز ملامح إنجازات آخر عشر سنوات على ضفاف الخليج.

كانت الخيمة العربية قائمة على 6 أعمدة صلبة فقدنا آخرها في العاشر من يناير الماضي، واليوم يبحث بعض الخلفاء الجدد في الخليج عن وثيقة تأسيس مجلس التعاون لتمزيقها وتبديد الحلم الجميل للوحدة، فبات اليوم يتطلب منك الدخول بجواز سفرك، وغدا سيُطلب منك تأشيرة لدخول دول كنت بالأمس تتجول فيها بالبطاقة الشخصية، وتمتلك فيها، وتستثمر بحرية، وغدا المشهد كئيبًا بعد توقيف مشروع القطار الرابط للأشقاء، وتأجيل مشاريع الربط المائي والكهربائي، وبات لدينا دول معزولة عن كيانها الخليجي، وأخرى تدق طبول الحروب، وتفضح الساسة، ولم نعد نستحي من التأمر على بعضنا علنا، فهانت علينا أنفسنا فاستهان بنا العالم أجمع.

لقد كان جلالة السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- آخر الحصون المكينة المدافعة عن حلم أسسه رجال لطالما أسعدونا في الخليج العربي ولم يسلموا دولهم ولا مقدرات شعوبهم للآخر؛ سواء أكان شقيقا عربيا أو صديقا أجنبيا، وظل الرفاه الاجتماعي والعيش الرغيد هو أساس المعادلة، فنالوا الثقة ودانت لهم شعوبهم بالولاء المطلق دون إكراه فرحمهم الله وأعاننا على خلفائهم.

حفظ الله عمان من كيد الحاسدين.. ونسأله أن يمنح عونه وسنده لسلطاننا المفدى- أيده الله- لرأب الصدع بين الأشقاء في دول الخليج، وإعادة الحياة مجددا لمسيرة مجلس التعاون.