العيدُ منحةٌ.. والأمر الإلهيُّ طاعةٌ!

 

حمد بن سالم العلوي

لقد كان العيدُ منحةٌ ربانيةٌ للصائمين، ولكن الأمر الإلهيُّ أتى لوقف هذه الفرحة الجماعية، ولو مؤقتاً لحكمة منه، وليمضي أمر آخر في هذا الكون، حتى نتوقف ونتدبَّر ما فيه من حِكمٍ ومواعظ اقتضت الضرورة التَّفكر فيها، فإنَّ العالم كله لم يؤمن حتى اليوم أنّ هذه الجائحة الكونية أتت منذرة لهم بأمرٍ من الله، بما كسبت أيدي الناس من فواجع، ومصائب وفساد في الأرض، فما زال حكام الدول وخاصة الكبرى، يتقاذفون التُّهم فيما بينهم، فأمريكا وزمرتها يتهمون الصين بفيروس كورونا، والصين تتهم الغرب وعلى رأسه أمريكا، بأنهم هم من دسَّ لها خبثاً هذه الجائحة، وهناك من يُسمِّي هذا الوباء بالحرب البيولوجية بين الدول العظمى.

إذن؛ وطالما الناس يستبعدون القدرة الإلهية في الذي يَحدُث الآن، فإنّ الأمر الإلهي سيظل يأخذ مجراه لقوله تعالى:{ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال: 53] فهل نحن مستعدون للتغير ما بالنفوس من غلٍ وكدر؟!!

إذن هؤلاء البشر في هذا الكون، سيظلون يرفضون الإنقياد والإذعان إلى أمره الله، جهلاً أو عناداً منهم، ولكن الله غالب على أمره ولو كره الكافرون والغافلون، ويتجلىّ تحدي الخالق لهم في قوله عز من قائل:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[فصلت: 53] إذن ستظل الحرب قائمة بين الله وخلقه، فإما أن يتأدب الناس ويعودوا عن غيِّهم، وإما أن يستعدوا للفناء، وسيأتي الله بخلق جديد كما ذكر ذلك الله في قوله تعالى:{.. وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} [محمد: 38] وهذا وعيد من الله متحقق حتماً، فلله العزة جميعاً، ووعيده ليس مثل وعود البشر، ولكن بُعْد الناس عن مخافة الله، قد يقضي عليهم كما هي العبرة من تجبُّر فرعون وقومه في الأرض.

ترى ما نصيبنا نحن البشر ممن ندعي أننا مسلمون من طاعة الله؟! أم سنظل نلهث خلف الأكثرية، ظناً مناً إنّ الغالبية دوماً على صواب، حتى لو خالف هذا الاعتقاد قول الله تعالى:{..وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (سبأ 13) فلقد كان قوم موسى- عليه السلام- أقل عدداً من قوم فرعون، وقد كان الحق مع القلة، وليس مع الكثرة.

لقد حَرَمَنا الله هذه السنة من فرحة العيد الإجتماعية، فهل سنشكر الله على إنه لم يحرمنا من نعمة الحياة؟ وهل سنكابر المشيئة الإلهية في ذلك؟ ونصرُّ على العادة ونخلط العيد بالعبادة؟! لقد كابر البعض قرارات اللجنة العليا، فصاروا يأتون بالخياطين خلسة إلى بيوتهم، وذلك ليفصِّلوا لهم أثواباً لفرحة العيد، وكم ساء هذا البعض عندما رأى معالي الدكتور وزير الصحة، وهو يفتح مستشفى تخصصيا بجهود القطاع الخاص، ولم يكن مرتدياً واقياً على الوجه، وتناسوا تماماً شكر صاحب المشروع، الذي تبرع بالمستشفى الخاص بعلاج كورونا، فكم نحن نهمِّش لبّ الموضوع، ونذهب إلى قشرته الخارجية، ونعطي القشرة جل الاهتمام.

إنّ عيد الفطر آتٍ بإذن لله مطلع الأسبوع القادم، وفرحة العيد تتحقق بإتمام صيام الشهر الفضيل، وكما هو دائماً للضرورة أحكام، فمن أحكام الضرورة هذه المرة، أنّ فرح العيد سيكون داخل البيوت ومعنوياً في النفوس مع الآخرين، ولكن دون هبطات كالمعتاد، ودون ملء للكروش باللحوم، وفي هذا رحمة لكم ولبطونكم ولجيوبكم المتعبة، وكذلك دون اجتماع واحتفالات، وغُناء ورقصات، وتزاور ولفٌّ في الحارات، وفي هذا كسرٌ للمألوف، وتوقفٌ عن التباهي بين الغنيِّ والفقير، وكذلك هذه عِظةٌ وتعليم للإنسان، فمن لم يكن الموت واعظاً له رغم تكرر حوادث الموت، ستكون عظته في الحقيقة المعاشة الماثلة أمامه اليوم واقعاً، فهل من مدَّكر في هذا الزمن الذي خلاَ من المُثالات الموعظة.

فصبرٌ أيّها الإنسان على نوائب الدهر، وخذ منها زادك للآخرة، ففي الدنيا يصنع الزاد ليوم الميعاد، فليس بعد الحياة إلاّ الممات، فاذا اعتبرنا أنّ الدنيا جماد لا يوعظ، والناس الواعظون مجرد مثلنا عِباد، فشاء الله أن يُرسل تحذيره الواضح، وقاهرٌ لكل متجبِّر على العباد، فخذوا العبرة من كل شيء، فإنّ كل أصحاب القوة والصولجان، لم تغن عنهم قوتهم، ولا علمهم وغزوهم للكواكب والنجوم، فربُّ الطارق لهم بالمرصاد، فبجندي لا يرى بالعين المجردة، وليس له روح، وإنما هو في حكم الأموات، فجعل سكان الكرة الأرضية من البشر وحدهم دون سواهم من المخلوقات، يرتجفون خوفاً وهلعاً من هذا غير المرئي، ومن سَخِرَ من "كورونا" من الأفراد أظهره الله عليه، إمّا في نفسه أو في عزيز عليه، فإن يرينا الله قدرته في خلقه فقد يكون هذا تحذير لنا، وقد لا يتكرر في حياتنا، أو في حياة البشر مرة أخرى، لأن هذا الوباء يجب أن يكون رادعاً لنا، وموعظاً لمن يأتي من بعدنا.

اللَّهُمَّ أحفظنا من الأسقام والأوبئة والأمراض، اللَّهُمَّ احفظ عُمان وشعبها الكريم وسلطانها الأمين وأيّده بالحق وأيّد به الحق، وأحفظ سائر بلاد المسلمين، ونقِّيِّ بلاد المسلمين من الأشرار الفاسدين الماكرين "اللَّهُمَّ آمين يا ربِّ العالمين" وعيد فطر سعيد.. وكل عام والجميع في خير ومحبة وإخاء.