ورثة زكريا

 

 

أنيسة الهوتية

 

النِجارة مِهنة وفَن وليس كل من نَشَرَ خَشبةً نَجاراً، ولكن من يصنع من الخشب الميت أثاثاً وأبواباً وغيرها من الضروريات التي يُستفاد منها في الحياة اليومية أكيد نجار وبجدارة وهؤلاء النجارون الممتازون يقال عنهم أنهم ورثةُ النبي زكريا فإنَّ الله تعالى قد وهبه عليه السلام موهبة النجارة بإتقان وكذلك النبي نوح عليه السلام قبله.

وورثةُ النبي زكريا عليه السلام خرجوا بكثرة هذه الأيام التي يسمونها بالحجر المنزلي، وأنا أسميها أيام استخراج المواهب الموؤدة سابقاً مع زحمة الحياة والعمل، وأيضاً أيام إثبات طاقات وقدرات الشباب العماني الذين كان الستار مسدولاً عليهم لأسباب ومسببات كثيرة.

منذ نهاية شهر مارس إلى اليوم تقريباً أكثر من عشرين شابا عمانيا أظهَرَ مواهبه في التعامل مع الخشب في وسائل التواصل الاجتماعي، ليس في الأشياء الصغيرة والتحف بل في نِجارة مختلف أنواع الأثاث والديكورات، والأكواخ، وأنواع الأبواب والكثير من الاختراعات والهندسيات الجميلة، وكم أذهلني ما رأيت منهم وأحببته جدا، ويتواجد لدي في البيت قطعتين رائعتي الجمال "تسريحة جدارية مع مرآة عريضة وأضواء داخلية" و"طاولة متوسطة ذات ثلاث طبقات" من صنع يدي أحد هؤلاء الشباب وبسعر زهيد جدًا مقارنة بما كنَّا نستورده من الخارج بنفس الكفاءة بل وأقل منها، وما ميز هذا الشاب أنه موهوب في التعامل مع الخشب والحديد وكما وصفته يوماً بأنه يرث من زكريا وداؤود عليهما السلام.

ومن المؤكد أن هناك مواهب لم تخرج بعد للعلن، ومواهب أخرى كثيرة غير النجارة وهذا يؤكد لنا أن الشباب العماني يمتلك كل تلك الهبات والقدرات والطاقات والكفاءات التي يجب أن نساهم ونسهل ونساعد في استثمارها وألا ندعها تذهب هباء منثورا وذلك بوقفتنا مع هؤلاء الشباب الذين بعضهم يعمل لكسب العيش وبعضهم الآخر مُجرد موهبة لايمل من إفراغ طاقاته بممارستها، وأصحاب المال الفائض يستطيعون الانتفاع من هذه المواهب وإنفاعها من خلال فتح مناجر وتوظيف هؤلاء الشباب برواتب مميزة وبيع منتجاتهم بقيمة تستحق وفي المستقبل قد يصل الأمر إلى تصدير هذه المنتجات لدول العالم، وثم تبدأ سلطنة عمان حقبة جديدة من تجارة وصناعة الأثاث والديكور الخشبي المتميز والمصنوع بأيدٍ عمانية ولربما ستكون نوعا من الأثاث المطلوب جدا كما هو الأثاث والديكور التركي أو "الأرابيسك" العربي الأكثر اشتهارا في مصر.

وإن تمت هذه الفكرة وبدأت تلك المنتجات بالنزول إلى الأسواق فإنها ستفتح مجال التوظيف لخريجي التصميم الداخلي، والجرافيك، والمبيعات، والإدارة، والمحاسبة، واللوجستية وغيرها الكثير ممن يشكلون الهيكل المتكامل للمؤسسة تلك. وبكل ذلك سيتم تقليل حالات البطالة المفرطة.

والشباب العُماني قادر أن يقود دفة المؤسسات بمختلف أنواعها، ولكنهم للأسف لم يحصلوا على الدعم النفسي والمعنوي والثقة إلا قليلاً والآن مع أزمة فيروس كورونا جاءت ساعة الصفر وعلينا قلب الساعة الرملية كي تبدأ الساعة من الثانية الأولى لأجل شباب الوطن فعطاؤهم مردود، وبهم تكون الفائدة ضعفين.

وبذات النهج يجب أن تكون هناك مؤسسات تركز على الإنتاج الوطني الذي نفتخر به "براندات عمانية" تكون مثل الشمس ساطعة في سماء الإنجاز والنجاح.

وطبعاً مع هذه الأفكار سيتوجب تغيير الكثير من القوانين الحالية التي كادت تخنق المواطن الصغير وتجعله يبتعد عن أفكار المؤسسات الصغيرة التي إيراداتها لاتكاد تغطي الرسوم والإيجارات والغرامات إن وجدت والتي سببها القوانين الصارمة والشروط التعجيزية التي تكاد تُعجز عجلة التطور الوطني عن التقدم.

لأجل ذلك نتمنى تسهيلها للمصلحة الوطنية العامة.