التخطيط الإستراتيجي والتوازن المالي

 

 

عبدالله بن علي النبري

مولاي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- أتشرف بتوجيه التحية لمقام جلالتكم على التوجيهات والقرارات السامية التي تتخذونها والتي تلامس اهتمامات المواطن وتجسد المصلحة العامة، فسر مولانا في خطواتك محاطًا بشعبك الأبي.

وفي ظل الضغوط الحالية، فإنَّ الأمل معقود على حكمة جلالتكم للتغلب على هذه الأزمة المالية الاستثنائية التي نعتقد أنها ناتجة عن عوامل تراكمية وما تراجع أسعار النفط وتأثيرات الجائحة على الاقتصاد إلا إضافات إلى ما سبق من أسباب والتي ربما ترجع لنواقص في التخطيط الإستراتيجي مضافا إليها استخدامات المال العام غير السليمة وغير المتوازنة.

وبصادق القول جلالتكم، فإننا نتلمس عهدا جديدا قد ظهر بتوليكم مقاليد الحكم في البلاد مبشراً بحكمة قائد ورؤية فكر وصواب مسيرة وىلاالمل الكبير الجديد تسير ، ومعززا النية في المحافظة على المال العام والعزيمة على تصويب استخداماته وترشيد إنفاقه وإظهار الشفافية والمساءلة والمحاسبة كمعيار لاستمرار مسيرة التنمية وإعادة التوازن وتحقيق الاستقرار المالي بروح من التخطيط الجديد وهو ما تعملون جلالتكم على القيام به، وفقكم الله وحفظكم ورعاكم.

إن التخطيط لم يحسّن مساره في كل الاتجاهات، إذ تلاحظ الازدواجية في تخصيص المال العام وغياب الرقابة، خالقة سابقة وتباينا لمشاريع أقيمت في مواقع كثيرة في مسقط وخارجها بتعدد وبمساحات وأحجام متجاوزة الحاجة والضرورة لحد التكدس مع التكاليف الباهظة دون اعتبار للمال ومن أين وكيف يؤتى به، والشيء نفسه ينطبق على تكاليف الآليات والتجهيزات إضافة إلى مئات الملايين التي فرضت نفسها تلقائيا لتستمر سنوياً في استنزاف الخزانة للتشغيل والصيانة بأنواعها وتعدداتها ومستلزماتها وما أكثرها؛ حيث يطرح هنا السؤال: هل غيبت الجهة المعنية دورها الذي عهدناه لسنين عن طلب الدراسات وتمحيص المشاريع وبيان الحاجة قبل التخصيص، ومراقبة الاستخدام قبل الصرف إلى التقليص؟ وهل انكمش هذا الدور لينحصر في صرف المال فقط؟ دون التأكد من الاستخدام قبل التخصيص؟ ومن ما سبقه من صرف وفي ماذا أنفق لصرف ما بعده؟ أم أنه مال عام تشبع بالاستخدام المباح والمفتوح؟

وفي موضوع يتعلق بحاجة البلاد لتخطيط إستراتيجي يرتكز على محاور محددة الأهداف وواضحة التفاصيل والتنفيذ لخلق موارد جديدة، فإن الضرورة تتطلب خلق أرضية لحزم إجراءات عملية تعمل على خلق بيئة خصبة لروافد جديدة ومتعددة ومتنوعة لتوسيع وتنويع مصادر الدخل، وتكون مبنية على أنماط أكثر تطورا وإجراءات تنفيذ أكثر سلاسة وسرعة من تلك التي لم تكن بمستوى الطموح خلال الفترة الماضية، كما أراد لها الوالد الراحل.

وعلى ما تقدَّم، نلتمس من مقام مولانا التفضل بالنظر في إمكانية دراسة المقترحات التالية، واضعين في الاعتبار إخلاص النية وصدق الأمانة، وهادفين إلى أن نقدم بالتواضع الواجب مع إخواننا ما يدعم مسيرتكم الخيرة ونهجكم الجديد لاستمرار التنمية في البلاد والرخاء لعُمان والمصلحة لشعبها.

  1. إجراء تعديل على هيكلة واختصاصات المجلس الأعلى للتخطيط وعضوياته وأنماط وآليات عمله لإحداث نقلة نوعية لعمل ذي شمولية وفاعلية في رسم السياسات ووضع الإستراتيجيات والخطط وخلق روافد جديدة وتحديد استخدام وتقنين تخصيص المال العام وإحكام الرقابة بجانب الشفافية والمحاسبة والمساءلة.
  2. أن يشكل المجلس من ممثلين ذوي كفاءة وخبرة ونزاهة يتم اختيارهم من وحدات الجهاز الإداري للدولة ومحافظي المحافظات والقطاع الخاص والمواطنين، أياً كان عدد أعضاء المجلس محدودا وذلك بهدف تنويع الإدراك ومزج الخبرات.
  3. أن يتبع المجلس رئاسة مجلس الوزراء، وهنا نلتمس من مولانا أن يتفضل بالنظر في تعيين رئيس للوزراء لما للمنصب واختصاصاته من أهمية في وضع القاعدة الواسعة والأساس المتين والمسار الواضح للعمل الحكومي وقياس أداء الجهاز الإداري للدولة وتطويره.
  4. تقوية اختصاصات المجلس ليكون من القوة في التشكيل والجدارة في العمل والتميز في الأداء، بحيث يصبح الجهاز الحكومي الفاعل الذي يقود عملية تخطيط وتنفيذ التنمية الشاملة للبلاد.
  5. أن يتمتع المجلس بالاستقلالية عن الوزارات، وأن تشمل مهامه وضع استراتيجيات وخطط التنمية وتنويع مصادر الدخل ودراسة المشاريع وتقديرات التكلفة وتقنين تخصيص المال العام وسُبل التنفيذ المعزز بالمحاسبة والشفافية والمساءلة الواجبة.
  6. أن لا تتيح اختصاصات المجلس ونظام المناقصات الفرصة أمام الشركات الاستشارية ومكاتب التدقيق والتقييم لإحداث نواقص في التصاميم أو الزيادة في الكميات أو المقاولين في رفع الأسعار أو اختلاق الإضافات لاستنزاف المال العام، وألا يتيح الفرصة كذلك لمكاتب التدقيق والتقييم للابتعاد عن الدقة والأمانة في الحقائق.
  7. أن يكون للمجلس جهازا متفرغا ومستقلا يتألف من عناصر عُمانية (مؤهلة ومنتقاة) وتتمتع بالخبرة والكفاءة والنزاهة وبتخصصات مرتبطة بواجبات الجهاز ويتم اختيارهم من الحكومة والقطاع الخاص والمواطنين.
  8. أن تشمل اختصاصات الجهاز التنسيق مع الجهات الحكومية وأن تضم إلى واجباته كل مشاريع الشركات والهيئات والمؤسسات الحكومية وأن يكون الجهاز الآلة البشرية المتحركة والقوية التي يُعتمد عليها للنهوض بواجبات المجلس التنفيذية ووضع الإستراتيجيات والخُطط والموازنات ودراسات الجدوى وتقديرات التكلفة حسب نوع وحجم ومواصفات كل مشروع وبالأسعار التنافسية قبل طرحها في مناقصات، وأن يأخذ الجهاز بأفضل وسائل التكنولوجيا لتحليل العطاءات ومُراقبة التنفيذ.
  9. أن يتولى الجهاز متابعة واستكشاف معوقات التنفيذ ميدانيا ويضع الحلول لها ويرفعها للمجلس لإقرارها ويتولى الموافقة عليها وتنفيذها وذلك تحت إدارة الأعضاء الذين يُعينهم المجلس للإشراف والمتابعة على عمل الجهاز ووفقا لموازنات المشاريع التي ترصد، وحتى تسليمها لجهتها الحكومية.
  10. أن تقوم وزارة المالية بالعمل اللصيق مع المجلس والجهاز في المرحلة المُقبلة، وباستحداث نظم لتقنين تخصيص المال العام والالتزام بالأولويات والضرورات وتحسين الاستخدام وترشيد الإنفاق وأن يشترك جهاز الرقابة الإدارية والمالية للدولة في إحكام الرقابة من أجل إحقاق الشفافية والمساءلة والمحاسبة على هدر المال العام ومثله إلزام الجهات الحكومية في الأخذ بمبدأ الضرورات على الحاجة نفسها واستخدام الموجود بدلا من الجري وراء الجديد.

وفي موضوع يشترك في الأهداف ويبني الثقة ويعمل على تعزيز المشاركة، نأمل من مولانا النظر في إشراك المحافظين مع أعضاء المجالس البلدية في وضع احتياجات محافظاتهم وتولي إدارة المشاريع والإشراف والرقابة على تنفيذها، بما يبني الثقة ويعزز المشاركة ويخلق فرص التنوع والتنافس في تنمية وتطوير المحافظات ويبعث على خلق روافد للدخل من المشاريع التي تنفذها الدولة أو بالجهود التي يبذلها المحافظون والمجالس البلدية لخلق بيئة للمشاريع في المحافظات واستقطاب القطاع الخاص والمستثمرين لها لدعم التنمية ولخلق المنافسة بين المحافظين والمحافظات، وذلك تحت رقابة وإشراف الوزراء المعنيين ووزارة المالية وجهاز الرقابة وبما تسمح به الموازنات السنوية ويحقق الاستقلال الإداري والمالي مستقبلاً على أساس مبدأ من يحقق الأفضل، وذلك على غرار النظم في الدول المُتقدمة التي تعمل على خلق دخل من المناطق لتنميتها من خلال المجالس المحلية.

تعليق عبر الفيس بوك