علي بن سالم كفيتان
يكاد اليوم ينطق كل شيء ولا حديث إلا عن ماذا سيحل بجيل السبعين وما تلاه بأعوام هم اليوم على أبواب الخمسين تعلموا في ظروف قاسية وأثبت معظمهم جلده في تخطي الصعاب فالتحقوا بقطار الجامعة التي شيدت لهم والتي حملت اسم القائد المؤسس طيب الله ثراه أما زملاؤهم الآخرون فأخذتهم البزة العسكرية بزهوها وخطوات السلطان الموزونة مع الأنغام الموسيقية الشجية إلى ميادين الرجال وثغور الوطن موعودين بزيارة سامية غالبًا ما كانت تأتي في موعدها لتحول لفح صحراء الربع الخالي الحارق إلى نسمات قادمة من الجنة بقدوم القائد بكامل هيئته القتالية لهذا انكروا ذواتهم وانصهروا في ذات الوطن وروح السلطان رحمه الله.
كتب عليهم أن يبنوا حياتهم من تحت الصفر فأخذوا على عاتقهم رعاية الآباء وتكوين الأسر وبناء المساكن وتعليم الأبناء وكل ذلك من مصدر رزق واحد هو الراتب الشهري من الوظيفة الرسمية وحملوا مع الحكومة ثقل الباحثين عن عمل عبر إعالة من لم يحالفه الحظ من أبنائهم وبناتهم للحصول على فرصة عمل يئنون بصمت ولا يشكون حالهم إلا لله، فقد عودتهم البدايات الصعبة على تحمل الظروف فباتوا يشكلون العمود الفقري لمجتمعنا اليوم غالبيتهم أناس منتجون صابرون محتسبون جل رواتبهم مرهونة للبنوك وشركات التمويل لسد ثغرات الحياة مجدولين ديونهم على سن الستين وهو سن التقاعد الذي حدده القانون لهم... فهل سيكتب عليهم أن يكونوا أول من يدفع ثمن التراجع الاقتصادي بحيث يحالون للتقاعد قبل موعده؟ لا ندري لكن المؤشرات باتت قوية لارتكاب مثل هذا الإجراء. إنَّ الطبقة الوسطى هم صمام الأمان للمجتمع والإضرار بها سيُعمق الأزمة بلاشك فكيف يكون الحل بتسريح أناس وصولوا إلى أوج إنتاجيتهم ويمثلون شعرة معاوية التي يجب الحفاظ عليها!!! إن تسريح عشرات الآلاف وإحالتهم للتقاعد وهم في قمة العطاء لن يكون إلا كالقطة التي إن جاعت أكلت أبناءها الواحد تلو الآخر لتضمن بقاءها.
لدينا يقين راسخ بأنَّ الشعب سيتحمل الأزمة المالية شريطة الإفصاح عن الحقائق وطلب الدعم بكل شفافية ومصداقية ولو كلف ذلك التنازل عن الرواتب كاملة لفترات محدودة حتى تتعدل الظروف بل ولدينا إيمان عميق بأنَّ الهبة الشعبية يمكنها تقديم التضحيات اللازمة لإصلاح الوضع عبر التبرع للوطن كبديل لحل التقاعد الذي بات يلوح في الأفق ويُهدد السواد الأعظم من القوى البشرية العمانية التي تعيل اليوم ٩٠٪ من أفراد المجتمع دون إيجاد حوافز أو ميزات أو حتى حلول مع المصارف وشركات التمويل فالمواطن تبين له من أزمة كورونا مدى سلبية المصارف وقطاع التمويل بالإضافة لوجود هوة بين تلك الجهات المصرفية والبنك المركزي أثناء الجائحة فكيف بهم إذا أحيلوا لتقاعد الزامي لا يستطيعون من خلاله الإيفاء بالتزاماتهم البنكية والأسرية لا شك أنّ القضايا سترفع عليهم للسداد وسيحالون من التقاعد إلى السجون.
انتشرت مؤخرًا معلومات تفيد بقيام بعض الجهات بإخطار عدد من موظفيها بموعد تقاعدهم رغم أنهم لم يقضوا سوى ٢٠ عامًا في وطائفهم... والسؤال هنا كيف يكون ذلك دون وجود قانون أو تعديل قوانين وبدون التمرير لمجلس الشورى الذي يفترض أنه هو من يمثل الشعب والمدافع عن حقوق المجتمع أمام الحكومة فالمجلس هو السلطة التشريعية للبلد... كل ذلك يضعنا أمام الكثير من الأسئلة الحائرة التي لا إجابة لها...
ومع كل ذلك لا زلنا على ثقة بأنَّ المقام السامي لمولانا جلالة السلطان أيده الله سيجد الحلول من خارج الصندوق ولن يكون هناك ضرر ولا ضرار بإذن الله تعالى.
حفظ الله عُمان وأيد جلالة السلطان المعظم بالبطانة الصالحة التي تعينه على الحق والصواب.