لكل عهد دولة ورجال

علي بن سالم كفيتان

إن سير نواميس الحياة من خلال الحياة والموت وتدافُع الناس، يُؤكد حقيقة عبارة "لكل عهد دولة ورجال"، ولا يُمكننا مُطلقا استنساخ أي عهد أو تجارب سابقة؛ لأنَّ ظرفية المكان والزمان، وطبيعة الأفراد والممكنات تختلف من عهد لآخر؛ لذلك فإنَّ لكل عهد قادته وساسته ورؤاه، ولا يجب أن يتم ارتهان المستقبل وفق نظرات الماضي، ومن هنا تنطلق أفكارٌ جديدة تمنح نفسها حيزا واسعا من المناورة لتحقيق الرفاه الاجتماعي المنشود.

يقُودنا هذا الحديث لعَدَم النَّظر للخلف، وأنْ لا نُعمق التفكير في المغادرين الذين أخذوا فرصتهم كاملة، وزادوا عليها رِدحًا من الزمن؛ فما كان منهم إلا العمل لأنفسهم في آخر المطاف. من حقنا أن نحظى بوجوه جديدة مع العهد الجديد، وجوه تستطيع إيجاد أفكار خلاقة، وهذا لا يعني إنكار كل ما هو موجود مُطلقا، بل البناء عليه، ولكن بعقول أكثر انفتاحا وأقل جشعا.

عُمان اليوم ليست هي عُمان الأمس، ولن تكون هي عُمان الغد، إذا ما آمنا بأهمية التغيير ومراجعة قائمة المحرَّمات وضبط المصروفات؛ فبلادنا لا تنقصها الموارد وعلى رأسها المورد الأهم ألا وهو رأس المال البشري؛ فالعمانيون من الشعوب التي يمكن الرهان عليها، إذا ما تم منحها الفرص المتكافئة والتعليم الجيد، وتمَّ توجيههم للوجهات الصحيحة، وهذه شهادة معظم الساسة والخبراء الاقتصاديين الذين درسوا طبيعة الإنسان العماني المسالم والقابل للتأقلم مع النقلات مهما كانت حادة أحيانا.

لا أهوِّل إن قُلت إنَّ العمانيين يتطلعون نحو تغيير جذري للمنظومة الحكومية؛ بما يتماشى مع العهد الجديد الذي يقُوده حَضْرة صَاحِب الجَلالَة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم -أيَّده الله- كون التشكيلة الوزارية الحالية مرَّ عليها قُرابة العقد من الزمن، ويتفق العُمانيون على أنها تعرضت لظروف استثنائية وضغوط كبيرة، وعمدت لإيجاد حلول لم تكن ناجعة في القضايا المهمة التي تشغل بال الرأي العام في الداخل؛ لذلك فإنَّ تجديد الوجوه يجب أن يصاحب عملية إعادة الهيكلة؛ فلا يستقيم تحديث المنظومة الهيكلية بعقول قديمة هي من أوصل الوضع إلى ما هو عليه اليوم.

الحكومة المقبلة مطلوب منها أن تكون رشيقة بعد أن يتم التخلص من التخمة الوزارية وما صاحبها من نمو غير مسبوق للأجهزة الموازية (الشركات الحكومية)، وتفريخ الصناديق والمؤسسات التي لا نكاد نقدر على إحصائها، وجميعها تمتص الموازنة العامة للدولة دون رحمة، ونرى أن التوجه لتخفيض امتيازات ذاك الأسطول الهائل من المؤسسات ليس كافيا، رغم أنه مهم جدا، وحسب وجهة نظر الكثير من المتابعين يكون إغلاقها هو الحل، لأنها وفق هذه الرؤية أنشئت لتقديم منافع لا تأخذ البعد الوطني كأولوية.

لقد فرضت أزمة كورونا الكثير من الضغط، لكنها في الوقت ذاته منحت المزيد من الوقت، وأجَّلت مطالب ستكون أكثر إلحاحا لولا قدومها؛ الأمر الذي ألقى بظلاله على كل مناحي الحياة. وبهذا المنطق فإنَّ الحجر الصحي صاحبه وقت إضافي للتفكير العميق في آلية التغيير المطلوبة في قادم الأيام، ولا يُمكننا أن نتنبأ بانتهاء الجائحة، لكننا نطمح لسقف 2020 ليكون عام التفكير واتخاذ القرارات الحازمة في بلادنا.

قبل الختام.. بات التروِّي مطلوبًا في القضايا التي يُمكن أن تلامس حياة المواطن، فنظام التقاعد الذي يروَّج له عبر عدة منابر ولم يتم نفيه أو تأكيده يشكل قلقا كبيرا رغم يقيننا بأنه لا يمكن وضع آخر معيل للباحثين عن عمل تحت هذه الظروف، وكما قلنا إنَّ لكل مرحلة دولة ورجالا، فإن المواطن ينتظر بفارغ الصبر مفاتيح الخير وتباشير الانفراج، ولا شك أن جلالة السلطان -أيده الله- منح شعبه الأمل في خطاباته وفي أفعاله التي باتت تقلِّم أغصان الهدر، مما يعني لنا العودة لزمن الوفرة والرخاء والحياة الكريمة بإذن الله تعالى.