لماذا يتجه البعض للإلحاد؟

فاطمة عبدالله خليل

كاتبة بحرينية

لماذا يتمرَّد كثيرٌ من الشباب في العقود الأخيرة على القيم والأعراف الدينية؟ لماذا يتَّجه البعض منهم إلى التطرف في رفض الدين ومُخالفة قواعده وتعاليمه؟ ما الذي يدفع النَّاس دفعاً مؤخراً للمجاهرة بالمعصية بل والتباهي بها على الملأ باسم الحرية الشخصية والتطور؟ ومن الذي صوّر لهم أنَّ الدين الإسلامي دين تخلف ورجعية وتكبيل للحريات؟!! ولعل من الأهمية التساؤل حول الإلحاد.. ولماذا يتَّجه شبابنا إلى الإلحاد أو يسيرون في طريقه؟ كان هذا ما جاء في مجمل سؤال تلقيته من الأستاذ العزيز محمد الحمزة في لقاء على الهواء على الانستغرام أمس الماضي، ووددت أن أشارككم الإجابة عنها في هذا المقال.

لا شك أنَّ الخطاب الديني الذي تربى عليه أبناء الخليج العربي في العقود الأخيرة خطاب متطرف إلى حد ما، من خلال تقديمه للنصوص الدينية والأحاديث النبوية كالسيوف على الرقاب، ليس لقدسيتها وحسب، بل من باب الإلزام والإجبار، لا من باب الحب في الله وحبه. عاش أغلب الناس على مبدأ (قال الله وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- وطبّق دون نقاش) لا شك أننا كمسلمين ملزمين بتطبيق التعاليم الدينية والالتزام بها، ولكن ما أود تسليط الضوء عليه هنا، أنَّ ثمَّة فرق بين أن أمارس تلك الطقوس الدينية وأن التزم بالتعاليم الدينية بحب وفهم عميق للغاية والحكمة منها وبين أن أنفذ دون فهم ما يعطل التعاطي الواعي مع الدين وهو أصلاً ما أمرنا الله به في مفاصل كثيرة من كتابه الحكيم بقوله (أفلا يتفكرون) (أفلا يتدبرون). ولذلك، فلا شك أننا كمسلمين علينا العمل بما جاء في كتاب الله وسنة نبيه ولكن الطرح الديني خرج من تبيان الحكمة والحب العميق لله ومارس ضغطاً على المجتمع وأبنائه في أسلوب منفر.

إن الخوض في الخطاب الديني وتحليل آفاقه وتأثيراته على المجتمعات مسألة متشعبة وتحمل في طياتها الكثير من التداخل ما بين الحرص على إقامة دين الله وإن أسيئ الأسلوب وتحوله إلى الإلزام، ولكن ذلك حمل أيضاً خطاباً ذكورياً ألصق بالدين فحملت المرأة ما لا طاقة لها به باسم الدين، بل وحمّل الرجل ذلك أيضاً باعتباره ولياً لها ولا مناص من إقامة حكمه وفرض قواعده عليها بما لا يخالف ما يدعى "ديناً". ولأننا في مجتمعات خليجية تقوم على أساس القبلية، فقد ألصقت كثير من الأفكار القبلية بالدين بطريقة أو بأخرى، ففقد الدين روحه، وتحول إلى دين آثم في بعض المواضع، لأنَّ المجتمع أعلى قيمة "العيب" أكثر من الحرام، وحول ثقافة العيب لديه إلى محرمات دينية، عجن العيب بالحرام وقدم عجينته المشوهة للنشء على أنها دينه.

بالمختصر:

إنَّ دعوة الله للتفكر والتدبر صريحة وواضحة، ولو أعدنا النظر في كثير من النصوص الدينية لوجدنا في ديننا ما يكفي لنحب الله في العمق ولنؤدي كل العبادات بحب ولنتمسك بديننا بقناعة عميقة. ولو اتجهنا قليلاً للوعي الروحي في العمق وبتنبهٍ تام لوجدنا خارطة الطريق إلى الله بمعزل عن الحاكمين باسمه على أرضه.

تعليق عبر الفيس بوك