جراهام أليسون يسأل: هل تستطيع بكين وواشنطن الهرب من "فخ ثيوسيديدس"؟

"الحرب المحتومة".. رصد لمآلات الصراع العسكري بين الصين وأمريكا

 

 

◄ الكتاب يتبنأ بمخاطر الصدام بين قوة الصين الصاعدة وأمريكا المُهيمنة عالميًّا

◄ "الإستراتيجية الكبرى للصين" ترتكز على 4 أهداف عظمى.. عنوانها "بسط النفوذ"

◄ بكين تستهدف القضاء على الفساد وإحياء القومية الصينية وبناء "جيش منتصر دائمًا"

◄ بحر الصين الجنوبي نقطة توتر ساخنة بين القوتين العظميين

◄ إعادة تعريف علاقات القوى العظمى السبيل لتجنب الصراع العسكري بين الصين وأمريكا

 

 

 

يَطرَح الكاتبُ جراهام أليسون الخبير السياسي والمؤرخ الأمريكي البارز في مؤلفه الأشهر "الحرب المحتومة.. هل تستطيع أمريكا والصين الهرب من فخ ثيوسيديس"، سؤالا حول النظام العالمي في الوقت الراهن، وما إذا كان بمقدرة الصين والولايات المتحدة الهرب من "فخ ثوسيديديس".

وهذا الفخ هو إشارة إلى ملاحظات ثوسيديديس المؤرخ الإغريقي القديم، الذي تصوَّر المخاطر المصاحبة عندما تتنافس قوة صاعدة مع سلطة حاكمة مهيمنة على العالم. وبحسب المؤرخ الإغريقي، فقد أعلنت أثينا تحديها لمدينة أسبرطة في بلاد الإغريق (اليونان القديمة)، أو كما فعلت ألمانيا مع بريطانيا منذ قرن في الحرب العالمية الثانية. وانتهت معظم هذه السجالات بشكل سيئ غالبًا لكلا البلدين حسبما وجد أليسون، والذي كان ضمن فريق من الباحثين في مركز هارفارد بيلفر للعلوم والشؤون الدولية؛ بهدف تحليل السجلات التاريخية.

ترجمة - رنا عبدالحكيم

 

 

ومن أصل 16 حالة صدام بين قوتين، انتهت 12 منها على مدى السنوات الـ500 الماضية، بحرب. ويلاحظ الكاتب أنه عندما تجنبت الأطراف الحرب؛ تطلب الأمر تعديلات ضخمة ومؤلمة في المواقف والأفعال من جانب ليس فقط المتحدي بل أيضًا المُتحدى.

 

التاريخ يتنبأ!

ومن بَيْن الأمثلة العشرة الأخرى التي يدرسها أليسون في كتابه بشكل أكثر إيجازًا، فإن بعضها مثير للاهتمام كي تفصح عن التوقعات المستقبلية، بينما يبدو البعض الآخر أقل إقناعًا. وقد يكون أقرب تشابه للوضع الحالي هو تحدي اليابان للهيمنة الأمريكية والبريطانية في المحيط الهادئ في النصف الأول من القرن العشرين، وهو التنافس الذي بلغ ذروته في الحرب العالمية. ويقول الكاتب إنَّ الدور الذي لعبته القوة البحرية في تلك المنافسة، وكذلك الطريقة التي ينزلق بها التنافس الاقتصادي إلى صراع عسكري، يسلط الضوء على ارتفاع حدة التوترات الأمريكية الصينية في الوقت الراهن.

ويرى أليسون -استناداً إلى المسار الحالي- أن الحرب بين الولايات المتحدة والصين في العقود المقبلة أمر غير وارد وحسب، بل أكثر احتمالاً مما هو معترف به في الوقت الراهن. ويضيف: في الواقع، إذا حكمنا من خلال السجل التاريخي، فإنَّ الحرب هي الاحتمال الأكثر ترجيحا. علاوة على ذلك، فإنَّ التقليل من الأخطاء الحالية وسوء فهم المخاطر الكامنة في العلاقة بين الولايات المتحدة والصين، يُسهم بشكل كبير في تأجيج تلك المخاطر.

لكن يبدو أنَّ بعض المتوازيات الأخرى التي أثارها أليسون تتناسب مع نموذج "فخ ثيوسيديدس" بشكل أقل؛ إذ ليس من الواضح أن الحرب الباردة تُفهم على أفضل وجه على أنها تنافس بين قوة صاعدة وأخرى ثابتة. وبدلاً من ذلك، برزت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي (سابقا) على حد سواء كمنتصريْن من الحرب العالمية الثانية، وأنشآ أنظمة أيديولوجية منافسة ومناطق نفوذ في نظام ثنائي القطب.

غلاف.jpg
 

 

الصين الكبرى

ويصفُ جراهام أليسون -والذي عمل سابقا مديرا لمركز بيلفر في جامعة هارفارد- الإستراتيجية الكبرى للصين، بأنها تستند إلى 4 أهداف وطنية رئيسية: إعادة الصين إلى الهيمنة في آسيا التي كانت تتمتع بها قبل أن يتدخل الغرب، واستعادة السيطرة على أراضي "الصين الكبرى"، بما في ذلك ليس فقط شينج يانج والتبت في البر الرئيسي، ولكن أيضًا هونج كونج وتايوان، إلى جانب استعادة نطاق نفوذها التاريخي على طول حدودها وفي البحار المجاورة بحيث يمنحها الآخرون الاحترام الذي طالبت به الدول العظمى دائمًا، يحظى باحترام القوى العظمى الأخرى في مجالس العالم.

وقال أليسون إن أجندة عمل الحكومة الصينية من أجل تحقيق هذه الأهداف تستند إلى: زيادة فاعلية الحزب الشيوعي الحاكم، وتطهير البلاد من الفساد، واستعادة مهمته الرسالية، واستعادة سلطته في أعين الشعب الصيني، مع إحياء القومية الصينية لغرس الفخر في كونها صينية؛ وهندسة ثورة اقتصادية ثالثة، وتنظيم وإعادة بناء الجيش الصيني حتى يتمكن من "القتال والانتصار".

 

سيناريوهات الصعود

ويقدم المؤلف سيناريوهات عديدة يؤدي فيها الإجهاد الأساسي الناجم عن صعود الصين، إلى ظروف يمكن أن تتسبب فيها الأحداث العرضية، أو غير المهمة، إلى صراع واسع النطاق، مثل اصطدام عرضي في بحر الصين الجنوبي، أو تحرك تايوان نحو الاستقلال، أو المواجهة مع أو بين حلفاء طرف ثالث، أو انهيار كوريا الشمالية، فضلا عن الصراع الاقتصادي. ومع ذلك، يقدم الكاتب بالتأكيد بحر الصين الجنوبي كنقطة توتر ساخنة بين الولايات المتحدة والصين اليوم.

علاوة على ذلك، يرى المؤلف أن استراتيجية "الانخراط مع التحوط" التي اتبعتها الولايات المتحدة تجاه الصين في ظل كل من الجمهوريين والديمقراطيين منذ نهاية الحرب الباردة هي في الأساس متناقضة في ذاتها؛ فمن الناحية البيروقراطية، سمحت هذه العقيدة لكل إدارة حكومية باتباع ميولها الطبيعية. وبينما "تنخرط" وزارتا الخارجية والخزانة، فإن وزارة الدفاع ووكالات الاستخبارات "تتحوط". ويشير الكاتب إلى افتراضين معيبين بشدة لهذه الإستراتيجية؛ الأول: أن الصين ستصبح ديمقراطية أو صاحبة مصلحة مسؤولة في النظام العالمي للولايات المتحدة، على خطى ألمانيا واليابان في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

 

خيارات إستراتيجية

وفي هذا الصدد، يشير أليسون إلى 4 خيارات إستراتيجية محتملة لقادة الولايات المتحدة، والتي تقترح مجتمعة حزمة واسعة من الفرص أمام الولايات المتحدة لمخاطبة الصين الصاعدة. والاستراتيجية الأولى تتمثل في استيعاب جهود التكيف مع توازن جديد للقوى عن طريق تحسين العلاقات مع منافس خطير ومؤثر؛ مما يعزز فرص أفضل الاتجاهات غير المواتية دون اللجوء إلى الوسائل العسكرية. أما الإستراتيجية الثانية فتتمثل في تقويض إستراتيجية إثارة تغيير النظام داخل البلاد، أو حتى تقسيمه على نفسه. والثالثة هي التفاوض على سلام دائم، إذا وافقت على التفاوض. ويمكن أن يوافق المتنافسون على التوقف لمدة ربع قرن، ويتم خلاله فرض قيود هائلة في بعض مجالات المنافسة؛ من أجل التركيز على الأولويات الأكثر إلحاحًا، لا سيما الشؤون الداخلية لكل دولة. أما الإستراتيجية الرابعة فتتمثل في إعادة تعريف العلاقة، واقتراح مفهوم جديد لشكل جديد من علاقات القوى العظمى.

وفي الفصل الختامي من الكتاب، يجادل أليسون بأنه للهروب من "فخ ثيوسيديدس"، سيحتاج قادة الولايات المتحدة إلى توضيح المصالح الحيوية، لأنه في صراع ملحمي مثل الصراع بين الصين والولايات المتحدة، يجب على الحكومة الأمريكية التمييز بين ما هو حيوي وما يمكن التنازل عنه. ويشير الكاتب إلى ضرورة فهم ما تحاول الصين القيام به؛ أي فهم أهدافها، من أجل الاستعداد بشكل أفضل لحل الخلافات. وعلاوة على ما سبق، يشدد أليسون على ضرورة بناء الإستراتيجية ووضع التحديات الداخلية ضمن الأولويات المحورية.

تعليق عبر الفيس بوك